العدد 1508 /13-4-2022

من تابع مباراة كرة السلة بين فريقيْ الرياضي والحكمة قبل أيام، أدرك أن لبنان لم يتقدم خطوة منذ اشتعال الحرب الأهلية عام 1975. وأن كل الحديث عن الوحدة الوطنية ونبذ الطائفية والعيش المشترك لامكان له على أرض الواقع. وأن محاور التماس والخنادق والمتاريس مازالت في النفوس، وإن لم تجد لها مكاناً على الأرض.

مشاكسة بسيطة بين لاعبيْن من الفريقين المتنافسيْن كانت كافية ليتحوّل ملعب صائب سلام بالمنارة إلى صورة مصغّرة من الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاماً. جمهور فريق الرياضي المحسوب تاريخياً على المسلمين السنّة، يتحوّل إلى عابد زاهد ملتزم في كل لقاء يخوضه مع فريق الحكمة المحسوب على المسيحيين الموارنة. قبيل المباراة يقرأ جمهور الرياضي بصوت عال سورة الفاتحة، الهتاف والتشجيع خلال المباراة يكون "يا الله، بسم الله، الله أكبر"، رغم أن الكثير من هذا الجمهور غير ملتزم دينياً ولا يؤدي الفرائض، وربما يرتكب الكبائر. لكن إغاظة الجمهور (المسيحي) تتطلب ذلك. الأمر نفسه يقوم به جمهور الحكمة، الذي يستحضر الكنيسة والصليب نكاية بجمهور الرياضي. ما شهدته مباراة كرة سلة من تضارب وعراك وتبادل للشتائم بين جمهور الفريقيْن، شهدته ملاعب أخرى لاسيما كرة القدم، خاصة حين تكون المنافسة بين فريق محسوب على المسلمين السنّة وآخر محسوب على المسلمين الشيعة.

ما تشهده الملاعب الرياضية من احتقان طائفي بين الجماهير يؤكد بأنّ بذور الفتنة والشقاق والنزاع التي كانت سبباً لاندلاع الحرب الأهلية بين اللبنانيين مازالت على حالها. يحصل ذلك رغم أن جماهير الفريقين المتنافسيْن يعانون من الفقر والعوز، جميعهم يرزحون تحت أزمة اقتصادية خانقة، ويذهبون بعد انتهاء المباراة للوقوف في طابور فرن للحصول على ربطة خبز، ويفضلون المشي على استخدام السيارة للعجز عن شراء البنزين، ويستدينون لتأمين المال اللازم لتوفير اشتراك المولد الكهربائي. كل المعاناة والألم التي يكابدها جمهور الفريق الأول يكابدها جمهور الفريق الثاني. لكن في الملعب، يتمّ تجاوز كل هذه الهموم، ويصبح الهمّ هو الكباش بين جمهور الفريقين، وسعي المسلمين لإغاظة المسيحيين والعكس، وسعي السنّة لإلحاق الهزيمة بالشيعة والعكس.

الواضح أن اللبنانيين مازالوا يختزنون أحقاد الحرب، وأن ثلاثة عقود من السلم والعيش المشترك لم تؤثر في عقولهم ومازالوا يفكرون بمنطق "نحن وهم"، "مسلمون ومسيحيون"، "سنّة وشيعة"، "حزب الله وتيار المستقبل"، "قوات لبنانية وتيار وطني حر"، وهو المنطق نفسه الذي ساد في السبعينات والثمانينات لكنه يتخذ اليوم عناوين جديدة انسجاماً مع التغيّرات الحاصلة. الواضح أكثر هو أن السلطة المتعاقبة منذ اتفاق الطائف وحتى اليوم، لم تبذل أي جهد للتخلص من هذه الأفكار ومعالجتها وسحب فتائل الحقد والضغينة بين اللبنانيين، وانشغلت بتقاسم مغانم السلطة فيما بينها، لتبقى النفوس على حالها من الاحتقان والتجييش، الذي يهدأ تارة ويتأجج تارة أخرى، إما بسبب مباراة رياضية كما حصل في المنارة قبل أيام، وإما بإرادة الزعيم الذي يحرك العواطف ويستحضر أحقاد الماضي وأوجاعه ليواجه خصمه في السياسة والانتخابات، وما ان ينتهي الكباش حتى يعود الزعيمان شركاء وحلفاء في تقاسم السلطة.

من الظلم تحميل الشعب اللبناني مسؤولية استمرار مشاعر الكره والبغض تجاه بعضهم البعض. فالوعي الجمعي لايمكن أن يتغيّر من تلقاء نفسه، دون من يسعى لبلسمة الجراح وتهدئة النفوس وتطييب الخواطر وتعبيد الطريق للمسامحة والاعتذار، وهو ما لم يحصل. كل ما حصل هو أن لحظة داخلية وخارجية قررت إنهاء الحرب الأهلية، ووقف الاقتتال، وقلب الصفحة مع ما حملته من ظلم وآلام ودماء، وفتح صفحة جديدة. وعند الطلب يتم استرجاع الصفحات المطوية المثخنة بالجراح لاستغلالها واستخدامها لكل صاحب مصلحة.

أوّاب إبراهيم