العدد 1554 /15-3-2023
اواب ابراهيم

قبل أيام تمّ إيقاف المباراة النهائية لدوري كرة القدم في لبنان بين فريقي العهد والأنصار قبل دقائق من نهاية وقتها الأصلي. سبب الإيقاف كان حالة غضب وهياج أصاب جمهور الأنصار (المحسوب على الطائفة السنية) بسبب أخطاء فادحة -حسب النادي- ارتكبها حكم المباراة أدّت إلى تقدم فريق العهد (المحسوب على الطائفة الشيعية والمموّل من حزب الله) وتعبيد الطريق أمامه لتتويجه بطلاً لدوري كرة القدم.

حالة من الجنون والهستيريا أصابت جمهور الأنصار بسبب الظلم الذي اعتقدوا أنه لحق بهم، فحطموا السياج الحديدي الفاصل بين أماكن الجمهور وأرض الملعب، وكسروا مئات الكراسي البلاستيكية ورموها على القوى الأمنية وأعضاء الاتحاد وكل من تواجد في الملعب، وأشعلوا النيران في أكثر من مكان. حالة الغضب والاحتقان التي أصابت الجمهور في الملعب انتقلت إلى خارج أسواره، فحصلت إشكالات فردية واعتداءات في أكثر مكان، كما اشتعلت وسائل التواصل اجتماعي غضباً من "انحياز" حكم المباراة، وتأييداً لما فعله الجمهور في الملعب. جمهور نادي العهد لم يكن أكثر أفضل حالاً، فعِوض أن يشجع فريقه ويهتف للاعبيه، اختار هتاف "الله، سوريا، بشار وبس" بهدف استفزاز الجمهور الآخر وإثار غضبه.

في اليوم التالي للمباراة بدأ سعر صرف الليرة يتراجع بشكل دراماتيكي، ليقفز قفزات غير مسبوقة وتتخطى قيمة الدولار الواحد المئة ألف ليرة. كان منطقياً أن يشهد الشارع حالة من الغضب أضعاف ما حصل في ملعب كرة القدم بين الأنصار والعهد. فإذا كان انحياز حكم المباراة أغضب جمهور فريق رياضي، فإن انهيار سعر صرف الليرة يفترض أن يُغضب جميع اللبنانيين. لكن لا تظاهرات حصلت، ولا قطع طرق حصل، حتى وسائل التواصل الاجتماعي التي تشكل ملجأ "التنابل" والخانعين" اقتصر دورها على السخرية السوداء مما وصل إليه سعر الدولار.

حالة من الخنوع والانصياع الملفتة أصابت اللبنانيين، فلا شيء يهزّهم سوى الإساءة للزعيم، أو للحزب، أو للفريق الرياضي، أو لما يعتبرونه مقدساً يخصّ طوائفهم. أما لقمة عيشهم فلا داع للتحرك بمواجهة سلطة تسببت بإفقارهم وتنهب مقدرات بلدهم.

أقول ملفتة لأنه قبل أربع سنوات، نزل مئات آلاف اللبنانيين إلى الشارع غضباً من فرض السلطة حينها رسم 7 دولار على الاتصالات عبر تطبيق الواتس أب. تظاهر اللبنانيون وقطعوا الطرقات واعتصموا في خيام. حالة الغضب عمّت مختلف المناطق اللبنانية وجميع الطوائف، من بيروت التي غصّت ساحة رياض الصلح بآلاف الغاضبين، إلى طرابلس التي أُطلق عليها اسم "عروس الثورة" وساحة النور قبلة اللبنانيين والعالم ووسائل الإعلام، إلى صيدا وساحة إيليا، إلى مناطق النبطية وعاليه والبقاع. كل اللبنانيين غضبوا وثاروا واعتصموا وقطعوا الطرقات وشعرت السلطة يومها بتهديد حقيقي. فأين الغاضبون اليوم بعدما تخطى الدولار مئة ألف ليرة، وبعدما بات حالهم أسوأ بأضعاف من حالهم حين نزلوا إلى الشارع؟!.

ليس صحيحاً أن كل اللبنانيين صاروا يقبضون بالدولار، وأنهم غير متأثرين بارتفاع الدولار. هناك شريحة لا بأس منهم مازالت رواتبها بالليرة اللبنانية، وإذا تكرّم ربّ العمل على هؤلاء برفع رواتبهم، فالرفع لايتناسب مطلقاً مع الارتفاع الهستيري للأسعار سواء كانت السلع أو المحروقات أو أي شيء آخر. كيف يعيش هؤلاء، ولماذا لايتحركون؟!.

حالة الخنوع والاستسلام التي يعيشها اللبنانيون هذه الأيام تحتاج مختصاً نفسياً لقراءتها وتمحيصها وتفسيرها. فلا يُعقل أن يحصل انهيار بهذا الشكل، والجميع يدرك أن السلطة مسؤولة عنه، ولا أحد يغضب أو يتحرك ، بل يواصل الهتاف للرئيس والزعيم والحزب الذي ساهم في إفقاره. فإذا لم يكن هناك داء نفسي أصاب اللبنانيين، فإن ذلك يعيدنا إلى ثورة 17 تشرين وما حصل فيها، ويدعم اتهامات البعض بأن الحراك الذي شهده الشارع كان مسيّساً وموجّهاً ومدبّراً، وربما كانت تدعمه سفارات خارجية.

أوّاب إبراهيم