العدد 1470 /14-7-2021

"التكليف ليس أبدياً من دون تأليف حكومة"، عبارة قالها البطريرك الماروني بشارة الراعي قبل أيام فُهم منها أنها تندرج في سياق حثّ من يعنيهم الأمر على تجاوز خلافاتهم وتشكيل حكومة جديدة. فرغم أن المعنيّ بكلام الراعي هو رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، إلا أن البعض اعتبر أنها محاولة جديدة منه لإيجاد توازن في مواقفه وتصريحاته بعد سلسلة انتقادات وجّهها لرئيس الجمهورية، حمّله فيها مسؤولية عدم تشكيل الحكومة، الأمر الذي ولّد استياء لدى فريقه السياسي تجاه بكركي.

فقد بات واضحاً أن رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري يستغلّ غياب نصّ دستوري يحدد مهلة زمنية تُلزمه بتشكيل الحكومة، ويتحرك على راحته متسبباً بتعميق معاناة اللبنانيين وأزماتهم. الحريري يقول إنه قدم لرئيس الجمهورية أكثر من تشكيلة حكومية ورفضها الأخير. فالرئيس يريد حسب الحريري أن يشكل حكومة تناسبه وتناسب فريقه، في المقابل يبدو رئيس الجمهورية مصراً على مطالبه وشروط صهره رافضاً تقديم أيّ تنازل، ضارباً عرض الحائط بكل أزمات اللبنانيين التي يتسبب بها تأخر تشكيل الحكومة.

بالعودة للبطريرك حول "أن التكليف ليس أبدياً"، يفتح هذا الكلام الباب أمام جوانب يجب الالتفات إليها. الجانب الأول يتعلق بالصفة التي يحملها البطريرك حتى يصدر عنه هذا الموقف المتعلق بالدستور واجتراح تفسير له. فالدستور لم ينصّ على أي مهلة زمنية تُلزم رئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة، فمن أين جاء البطريرك بأن التكليف ليس أبدياً؟!. فالبطريرك الماروني كما مفتي الجمهورية كما جميع رجال الدين الآخرين لا صفة دستورية ولا سياسية لهم، ومواقفهم محصورة بالحثّ على الوحدة والتعاون والاتفاق بين المختلفين، وليس لهم أي صفة دستورية أو سياسية.

رغم محاولة البعض التخفيف من وطأة كلام البطريرك ومقاصده، وأنه يندرج في سياق التشجيع على تجاوز الخلافات وتشكيل حكومة، إلا أن آخرين لم يُخفوا استياءهم واستغرابهم من كلام البطريرك خاصة أنه مستجدّ ولم يسمع به اللبنانيون في استحقاقات مشابهة سابقة.

فانتخاب رئيس الجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان تعذّر قرابة عامين ونصف بسبب تعطيل فريق رئيس الجمهورية الحالي وحلفائه جلسات انتخاب الرئيس في المجلس النيابي من خلال تطيير نصاب الجلسات. يومها لم يصدر عن البطريرك الماروني موقف حول مهلة محددة لانتخاب الرئيس. في مناسبة أخرى عطّل فريق رئيس الجمهورية الحالي تشكيل حكومة الرئيس سعد الحريري عام 2009 لأكثر من خمسة أشهر بسبب عناده على توزير صهره جبران باسيل في الحكومة، وقال يومها عبارته الشهيرة "لعيون صهر الجنرال ما تتألف حكومة". لم يصدر يومها موقف عن البطريرك حول أن التكليف ليس أبدياً لتشكيل الحكومة التي كان يعرقلها فريق رئيس الجمهورية الحالي.

ربما يكون البطريرك محقاً في ضرورة إجراء تعديلات دستورية لتحديد مهل زمنية للاستحقاقات الدستورية كي لا يحصل شغور في السلطات الأساسية، لكن تحديد هذه المهل يجب أن يشمل جميع الاستحقاقات، ولا يقتصر على استحقاق دون آخر. فكما أن تشكيل الحكومة يجب أن يكون ضمن مهلة زمنية، كذلك انتخاب رئيس للجمهورية بجب أن يحصل ضمن مهلة زمنية محددة، وكذلك دعوة رئيس الجمهورية للاستشارات النيابية الملزمة لاختيار رئيس الحكومة أيضاً يجب أن يكون ضمن مهلة زمنية محددة. فلا يُعقل أن يتعسف رئيس الجمهورية في استعمال هذا الحق كما يشاء فقط لأنه لم يكن يرغب بمن سمّاه النواب رئيساً للحكومة.

تحديد المهل الزمنية للاستحقاقات الدستورية أمر بات ضرورياً، لكن حتى حصول ذلك، وبما أن الدستور لا ينص على مهل زمنية، فليس لأحد أن يخرج علينا لتحديد سقوف زمنية مُستحدثة دون نص دستوري لاستحقاقات بعينها، والتغاضي عن استحقاقات أخرى.

أوّاب إبراهيم