العدد 1483 /20-10-2021

كان إطلاق النار في منطقة الطيونة مازال متواصلاً حين سارعت قيادات "الثنائي الشيعي" ووسائل إعلامه وجمهوره باتهام القوات اللبنانية بارتكاب "مجزرة" ونصب "كمين" وزرع قناصين على أسطح المباني لقتل المتظاهرين "السلميين" والنقابيين والنخب الذين كانوا يريدون التعبير عن رأيهم. ربما تكون الصورة هكذا فعلاً، فتكشف التحقيقات أن القوات اللبنانية خطّطت ونظّمت ودبّرت لكل ما حصل، لكن مشكلة هؤلاء أن جميع الصور ومقاطع الفيديو التي تناقلتها وسائل الإعلام على الهواء مباشرة ووسائل التواصل الاجتماعي لم يظهر فيها مسلح واحد من جهة عين الرمانة التي يفترض أن "قناصي" القوات اللبنانية يتمركزون على أسطح مبانيها. بل إن قنوات تلفزيونية قامت في اليوم التالي للاشتباكات بإعداد تقارير إخبارية للتأكد من وجود قناصين على أسطح هذه المباني، وتبين أن جميع الأسطح التي قيل إن القناصين تمركزوا فيها إما أنهم من أفراد الجيش اللبناني، وإما أن غالبية سكان المبنى مؤيدون للثنائي الشيعي، وبالتالي من المستحيل أن يستخدمه "قناصو" القوات اللبنانية هذه المباني لاستهداف تظاهرة "الثنائي الشيعي". على العكس، فكل من كشفت عنه الصور والمقاطع المصورة هم مسلحون ينتمون للثنائي الشيعي ومؤيدون له، ظهروا وهم يطلقون الرصاص والقذائف الصاروخية على منطقة عين الرمانة. هذا لاينفي فرضية أن طرفاً آخر كان يُطلق النار، لكن تأكيد هذه الفرضية أو نفيها لايكون بإطلاق الاتهامات دون دليل، بل بانتظار التحقيق الذي تقوم به الأجهزة المعنية، التي تجمع ما سجلته كاميرات المراقبة، وتستمع لشهادة الشهود، لتصل بعد ذلك إلى نتيجة ما حصل بناء على الوقائع والأدلة. لكن الثنائي الشيعي الذي يكرر في كل مناسبة دعوة الآخرين للتهدئة والحكمة والتأنّي بإصدار الأحكام، لم يلتزم بدعوته هذه وجيّش شارعه تجاه القوات اللبنانية منذ اللحظة الأولى لاندلاع الاشتباكات.

بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتوجيه أصابع الاتهام نحو النظام السوري والنظام الأمني اللبناني التابع له بالمسؤولية عن الجريمة، خرج على اللبنانيين حزب الله بمطالعات قانونية مطوّلة أراد أن يقنعهم فيلها بمنطق أنه لايجب التسرع في توجيه الاتهامات، ولا يجب استباق التحقيقات، وأن أطرافاً كثيرة ربما تكون مستفيدة من اغتيال الحريري ليس بعيداً عنها "الطابور الخامس" الذي يريد افتعال فتنة طائفية في لبنان، وأن "إسرائيل" لا يجب أن تكون بعيدة عن الاتهام وأن وأن.. لكن هذا الخطاب انقلب في أحداث الطيونة، فخالف حزب الله دعوته للصبر وانتظار التحقيقات وأصدر مضبطة اتهام مسبقة بحق القوات اللبنانية. مجدداً هذا لايعني أن القوات اللبنانية بريئة، لكن ليس لأحد إدانتها، واتهامها بارتكاب "مجزرة" وتدبير "كمين"، في حين أن المعطيات والمقاطع المصورة أكدت دخول متظاهرين غوغائيين تابعين لهذا للثنائي الشيعي إلى منطقة عين الرمانة (المسيحية) من شوارع فرعية، واعتدوا على الممتلكات وهتفوا بشعارات طائفية مستفزة وشتموا رموزاً لهذه المنطقة، هل هذا التصرف يستحق إطلاق النار على رؤوس المتظاهرين، بالطبع لا، وهل هذا يعني أن من أطلق الرصاص لا يجب توقيفه ومحاكمته، حتماً لا. لكن أسئلة أخرى تحتاج لبعض الرويّة قبل الإجابة عنها، هل يُحتسب من ضحايا المجزرة العنصر المسلح التابع للثنائي الشيعي الذي كان يهمّ بإطلاق قذيفة على مبنى سكني قبل أن تعاجله رصاصة فتقتله، ألا يمكن أن يكون بعض ضحايا وجرحى الاشتباكات قد سقطوا برصاص الجيش اللبناني أو رصاص رفاقهم عن طريق الخطأ، خاصة أن المقاطع المصورة كشفت أن إطلاق النار من مسلحي الثنائي الشيعي كان عشوائياً وفوضوياً إلى حد كبير.

الأهم من ذلك، هل المسؤول عن أحداث الطيونة هو من أطلق النار وحده، ألا يشاركه في المسؤولية المتظاهر الذي استفزّ وشتم وحطم ممتلكات الآمنين، ألا يتشارك في المسؤولية أيضاً الوزير الذي هدّد في مجلس الوزراء، وأعلن أنه ستحصل تحركات شعبية غير مسبوقة، ألا يشارك في المسؤولية الذي جيّش شارعه وعبّأه، وطلب منه السير بتظاهرة غير منضبطة في منطقة بالغة الحساسية؟!.

كل من حرّض وساهم وشارك في الوصول للنتيجة المؤسفة التي شهدتها منطقة الطيونة مسؤول عما حصل، ويجب أن يُحاسب.

أوّاب إبراهيم