العدد 1530 /28-9-2022
بسام غنوم

مع بدء العدّ العكسي لانتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون يدخل لبنان مرحلة شديدة الحساسية على المستويين السياسي والامني .

فعلى الصعيد السياسي و قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس عون لا تبدو الاجواء السياسية مهيئّأة لانتخاب رئيس جديد في ظل انقسام داخلي كبير حول هوية وشخصية الرئيس الجديد حيث مازال البعض يراهن على وصول رئيس جديد يكون امتدادا لعهد الرئيس عون الذي اوصل لبنان واللبنانيين الى جهنم على كل المستويات السياسية والامنية والاقتصادية والطائفية ، فيما يريد اطراف آخرون رئيس جمهورية توافقي يعكس صورة لبنان التقليدية في العالم العربي والمجتمع الدولي ، وعكست المواقف التي اطلقها مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في لقاء النواب السنة في دار الفتوى والتي اكد فيها ان " لبنانُ لا يَقومُ إلا بِالتَّوَافُق, وَلا خَلاصَ إلا بِوَحدَتِه, بَعِيداً عَنِ التَّشَنُّجِ وَالخِطَابِ الطَّائفيّ, وَالشَّحْنِ التَّحرِيضِيّ"، وشدد على ضرورة "إنهاءُ الاشتباكِ المُصَطَنَعِ وَالطَّائفِيِّ والانقِسَامِيِّ بِشَأْنِ الصَّلاحِيَّات، وَالعَودَةُ إلى المَبدَأِ الدُّستورِيِّ في فَصلِ السُّلُطاتِ وتعاوُنِها"، وعلى ان يتصف رئيس الجمهورية الجديد "بِصِفاتِ رَجلِ العَمَلِ العَامِّ الشَّخصِيَّةِ والسياسية, لأنّ رَجُلَ العَمَلِ العَامِّ – كما يقولُ عُلماءُ السِّيَاسَة- تَحكُمُهُ أخلاقُ المُهِمَّة، وأخلاقُ المسؤولية" ، موقفا متقدما عشية انتهاء ولاية الرئيس عون لان هذه المواقف تعكس رغبة صريحة بوصول رئيس جديد للجمهورية يستطيع بتعاونه مع رئيس الحكومة اخراج لبنان من ازماته التي يعيشها في هذه الايام .

اما على الصعيد الامني فهناك خشية من ان يعمد البعض في لبنان الى اثارة الاشكالات مع اقتراب انتهاء ولاية الرئيس عون سواء عبر اشكالات فردية هنا وهناك ، او عبر تحركات على الارض من قبل انصار الرئيس عون او غيره في حال قرر الرئيس عون عدم مغادرة قصر بعبدا اذا لم يتم تشكيل حكومة جديدة كاملة الصلاحية يمكنها تسلم صلاحيات رئيس الجمهورية في حال انتهاء ولاية الرئيس عون ولم يتم التوافق على تشكيل حكومة جديدة وبقيت الامور كما هي الحال الآن في ظل وجود حكومة تصريف الاعمال برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو : هل الاجواء السياسية الداخلية و المواقف الاقليمية والدولية مهيئة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية ؟

لا توحي الاجواء السياسية الداخلية في لبنان ان هناك اجماعا على ضرورة انتخاب رئيس جديد للجمهورية ضمن المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس فالبعض يراهن على تفلت الامور سياسيا وامنيا من اجل تكرار تجربة وصول الرئيس عون الى السلطة بعد تسوية سياسية اوصلت لبنان الى جهنم كما جرى في العام 2016 ، وتكشف ردة فعل "حزب الله" غير المباشرة على لقاء النواب السنة في دار الفتوى عبر المانشيت الذي وضعته جريدة الاخبار المقربة من الحزب والذي جاء فيه: " مفتي البلاط يعلن موت الحريرية السياسية"... "المفتي يقيم مأتماً لـ «الحريرية السياسية» | السعودية تُراسل الغرب من دار الفتوى: هذه حصتي" ، موقفا سلبيا من التحركات التي يقوم بها مفتي الجمهورية من اجل التوافق باسرع وقت ممكن على انتخاب رئيس جديد للجمهورية ، رغم ان موقف الرئيس بري جاء مخالفا لموقف "حزب الله" حيث قال بري لـ"الشرق الأوسط": "استمعتُ إلى كلمة المفتي دريان وكانت كلمته أكثر من جيدة وجامعة، وأن ما يهمنا إنجاز الاستحقاق الرئاسي في موعده الدستوري".

لكن كما يعلم الجميع فان الرئيس بري الذي كان له موقفا رافضا لانتخاب الرئيس عون رئيسا للجمهورية في العام 2016 عاد والتزم بالموقف الشيعي وبالتسوية السياسية التي جرت في ذلك الوقت، وبالتالي لا يمكن المراهنة على الخلاف في الموقف الشيعي .

اما على الصعيد المسيحي فالبطريرك الراعي بدأ في رفع سقف مواقفه السياسية من انتخابات رئاسة الجمهورية فقال : لماذا يفضل البعض تسليم البلاد إلى حكومة مستقيلة أو مرممة على انتخاب رئيس جديد قادر على قيادة البلاد بالأصالة؟ ألا يعني هذا أن هناك من يريد تغيير النظام والدستور، وخلق تنافس مصطنع بين رئاسة الجمهورية ورئاسةالحكومة، فيما المشكلة هي في مكان آخر وبين أطراف آخرين؟ ونسأل: من يستطيع أن يقدم سببا موجبا واحدا لعدم انتخاب رئيس للجمهورية؟، وتتطابق مواقف البطريرك الراعي مع المواقف التي يطلقها رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وحزب الكتائب وباقي النواب المسيحيين من غير النواب التابعين للتيار الوطني الحر.

اما على الصعيد الاقليمي والدولي فقد شكل البيان الثلاثي السعودي الاميركي الفرنسي في نيويورك والذي اكدوا فيه على "أهمية إجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان بموعدها المحدّد وفق الدستور اللبناني" ، وعلى "ضرورة قيام الحكومة اللبنانية بتنفيذ أحكام قرارات مجلس الأمن 1559، 1701، 1680، و2650 والقرارات الدولية ذات الصلة بما في ذلك تلك الصادرة من جامعة الدول العربية، والالتزام باتفاق الطائف المؤتمن على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي في لبنان" ، دليلا على ان انتخابات رئاسة للجمهورية القادمة محل خلاف اقليمي ودولي حيث تتعارض هذه المواقف مع مواقف "حزب الله" وايران الذين يريدون رئيسا للجمهورية يكون امتدادا لفترة الرئيس عون .

بالخلاصة يمكن القول ان انتخابات رئاسة الجمهورية اسيرة للخلافات الداخلية وللحسابات الاقليمية والدولية ، وبالتالي من المستبعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية ضمن المهلة الدستورية اذا لم يحصل توافق اقليمي ودولي على انجاز هذا الاستحقاق.

بسام غنوم