العدد 1551 /22-2-2023

حسام كنفاني

لا يمكن فصل حالة الجنون التي يعيشها الدولار في لبنان عن التطورات التي يشهدها العراق منذ أشهر في ما يخص التحويلات الأميركية من الدولار إلى بغداد، والتي انخفضت من 350 مليون دولار يومياً إلى 30 مليوناً يومياً، وذلك في إجراءات تعمد الولايات المتحدة حالياً إلى اتّخاذها للحد من تهريب العملة الخضراء من العراق إلى إيران، وتحديداً إلى الحرس الثوري، بحسب تصريحات مسؤولين أميركيين كثيرين.

بدأت القصة في تشرين الأول الماضي، حين تم الكشف عمّا اعتبر "أكبر سرقة في التاريخ"، بعدما اتهمت هيئة الضرائب العراقية خمس شركات خاصة بسرقة أكثر من 2.5 مليار دولار، من أموال الهيئة، بالتنسيق مع موظفين في وزارة المالية. أعادت هذه الواقعة تسليط الضوء، أميركياً، على ملف الالتفاف الإيراني على العقوبات عبر تهريب الدولار من بغداد إلى طهران، ومنها إلى حلفاء إيران في المنطقة، وفي مقدمتهم حزب الله اللبناني وجماعة "أنصار الله" (الحوثيون) في اليمن. ورغم أن هذا الملف ليس جديداً، ومن المؤكّد أن الولايات المتحدة على دراية به منذ سنوات طويلة، إلا أن تطوّر العلاقات الأميركية الإيرانية وتعقد مفاوضات إحياء الاتفاق النووي، استدعيا التشديد الأميركي الأخير، والذي انعكس على سعر صرف الدولار في العراق أولاً وسائر الدول المرتبطة بشكل غير مباشر بإيران.

حاولت بغداد احتواء الغضب الأميركي المستجد عبر الوفد الذي زار واشنطن الأسبوع الماضي برئاسة وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، برفقة محافظ البنك المركزي ومسؤولين عديدين. انتهت اللقاءات ببيان عام مشترك لم يتحدّث عن اختراقات في الملف، بل اكتفت بالإشارة إلى أن الاجتماعات تطرّقت إلى "الدعم الذي تقدّمه واشنطن لبغداد في ما يتعلق بالقطاعين المالي والمصرفي ومكافحة غسل الأموال والتغير المناخي وعلاقة بغداد بدول الخليج والربط الكهربائي"، إلا أن المؤشرات اللاحقة للقاء أكدت فشل الوفد في إقناع الولايات المتحدة في تخفيف القيود على تحويلات الدولار إلى العراق التي فرضها المصرف الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.

انعكس الفشل العراقي في الولايات المتحدة تدهوراً مضبوطاً في سعر الدينار العراقي، بعد تدخلاتٍ من المصرف المركزي، غير أن الأمر لم يكن كذلك في أزمة الدولار في دول أخرى، والمرتبطة بشكل غير مباشر بتهريب الدولار العراقي إلى إيران، وعلى رأسها لبنان. ورغم أن هذا البلد يعيش على وقع أزمة اقتصادية كبيرة منذ ما يزيد عن سنتين، وهي متعدّدة الأسباب، إلا أن أزمة تحويل الدولار من الولايات المتحدة إلى العراق كان لها انعكاس مباشر على العملة المحلية اللبنانية، فقد قفز سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية في السوق السوداء من 60 ألف ليرة إلى ما يزيد عن 80 ألف ليرة، أي ما يزيد عن خمسة أضعاف السعر الرسمي الذي تم رفعه بداية الشهر الحالي من 1500 ليرة إلى 15 ألف ليرة لبنانية. قفزة كهذه غير مرتبطة بتطورات سياسية أو اقتصادية مباشرة في الداخل اللبناني، لا يمكن تبريرها إلا بندرة العملة الخضراء الناتجة عن تقليص التحويلات الأميركية إلى العراق، وهو ما تعيشه الساحة العراقية نفسها.

واقع أثر الأزمة العراقية الأميركية على لبنان بدأ يعيه المعنيون المباشرون بـ"الدولار العراقي"، أي حزب الله مباشرة، وهو ما دفع أمينه العام حسن نصر الله إلى الخروج أخيراً بخطاب ركز فيه على "الثروة النفطية" في بحر لبنان، والتي من الممكن أن تكون باباً لدخول العملة الأميركية إلى البلد، وبالتالي تعويض النقص في التحويلات الخارجية، وتحديداً الإيرانية، باعتبارها الأكبر في الفترة الأخيرة. غير أن هذا البديل لا يزال غير مضمون، ونتائجه في حال كانت هناك كميات وافية من الغاز في الحقول البحرية، لن تظهر قبل أربع إلى خمس سنوات، ما يعني أن الاقتصاد اللبناني حالياً، والذي فاقمته التشديدات الأميركية على العراق، يتجه إلى مزيد من التدهور المدعوم بقلة حيلة المؤسسات الرسمية وعدم اكتراث الدول المانحة للواقع اللبناني.