العدد 1460 /5-5-2021

تعيش الساحة اللبنانية في ظل حالة من المراوحة فيما يتعلق بملف تشكيل الحكومة حيث فشلت كل الوساطات عل مايبدو في تليين موقف الرئيس عون من الرئيس المكلف سعد الحريري الذي يبدو متمسكا أكثر من ذي قبل برفض اي لقاء مع النائب جبران باسيل حيث نقلت مصادر بيت الوسط عن الرئيس المكلّف سعد الحريري "رفضه لهذا الطلب لأن باسيل لم يسم الحريري في الإستشارات النيابية، وأنه من اليوم الأول أعلن رفضه التعاون معه، وأنه لم يكتفِ بذلك بل أعلن مرارا وتكرارا أنه لن يمنح الحكومة الثقة، وأن الحريري سأل عن مبرر لقاء شخص لا يريده، وأنه يؤكد أنه خارج اللقاء مع رئيس الجمهورية الشريك الأساسي في تأليف الحكومة لن يلتقي أيا من القوى السياسية قبل أن تشكل الحكومة"، وهو مايجعل الامور المتعلقة بملف تشكيل الحكومة مؤجلة حتى اشعار اخر ،لأن الرئيس عون الى جانب مطالبه الاخرى فيما يتعلق بتشكيل الحكومة مثل حصوله على الثلث المعطل في الحكومة ووزارتي العدل والداخلية ، يصر ايضا على حصول لقاء بين الرئيس المكلف والنائب جبران باسيل، واللافت في هذا الاطار هو تجاهل معاناة اللبنانيين اليومية من قبل المسؤولين عن الملف الحكومي حيث يغرق لبنان شيئا فشيئا في ازمته الاقتصادية والمرشحة الى مزيد من التدهور مع نهاية هذا الشهر لأن حاكم مصرف لبنان أبلغ المسؤولين أن الدعم الذي يقدمه مصرف لبنان لدعم المواد الاساسية مثل المحروقات ومن ضمنها الاموال اللازمة لشراء الفيول للكهرباء وكذلك القمح و غيره من المواد الاساسية ، لن يكون ممكنا بعد نهاية الشهر الجاري وهو ما قد يوصل الامور اقتصاديا الى حالة الانهيار الشامل و يفتح الباب واسعا امام حالات الاعتراض الشعبي والتفلت الامني الذي حذرت منه القيادات الأمنية المسؤولين في السلطة.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو : هل تحرك التحديات الأقتصادية والمخاوف الامنية والوساطات الدولية المياه الراكدة في الملف الحكومي ؟

يعتقد البعض أن الجمود الحاصل في الملف الحكومي مرتبط ارتباطا وثيقا بالمفاوضات الاميركية – الايرانية الجارية في جنيف والتي تشهد تطورات ايجابية فيما يتعلق برفع بعض العقوبات عن ايران ، وان الوضع اللبناني قد يشهد تحسنا ملموسا في الفترة المقبلة اذا استمرت الايجابية القائمة في المحادثات الجارية في جنيف بين ايران واميركا ومجموعة 5+1 التي تضم ايضا روسيا والصين وممثلين للاتحاد الاوروبي وذلك لأن لبنان يعتبر جزءا من مناطق النفوذ الايراني التي يجري التفاوض عليها مع ايران، وان اي محاولة لتجاهل هذا الأمر هي تضييع للوقت والجهد بدون اي طائل.

هذه الرؤية السياسية للازمة اللبنانية والتي يتبناها معظم الطبقة السياسية اللبنانية ويحاولون عبرها تفسير صمت "حزب الله" على تعنت الرئيس عون في الملف الحكومي تغفل الواقع اللبناني الداخلي الذي دخل مرحلة الانهيار الاقتصادي والامني، فهذا الوضع مرشح لتطورات خطيرة في الايام القليلة القادمة ولا سيما مع تأكيد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على قرار رفع الدعم في نهاية الشهر الجاري واذا استمرت الامور على ماهو عليه فقد يدخل لبنان في المجهول شعبيا وأمنيا ، اولا لأن المفاوضات الأميركية – الايرانية في جنيف مازالت تبحث في ملف رفع العقوبات عن ايران وهو مازال في اول الطريق كما اكد الرئيس الاميركي بايدن ، وبالتالي فان باقي الملفات الأخرى ومن ضمنها الملف اللبناني سوف تبحث لاحقا بعد الانتهاء من ملف رفع العقبوبات الاميركية على ايران، وثانيا لأن الكثير من العراقيل التي توضع في وجه عملية تأليف الحكومة لا علاقة لها بقريب او بعيد بالمفاوضات الايرانية- الاميركية مثل شكل الحكومة وطبيعة دورها ، ولذلك قامت فرنسا المعنية بصورة مباشرة بالملف الحكومي وبعد وصول الامور الى حالة الانسداد القائمة حاليا بفرض عقوبات غير معلنة على بعض القيادات اللبنانية التي تعتبرها مسؤولة عن عرقلة المبادرة الفرنسية لتشكيل الحكومة ، وفي هذا الاطار شكلت زيارة وزير خارجية فرنسا الى لبنان جان ايف لودريان بعد الاعلان عن العقوبات الفرنسية اشارة لافتة الى عزم باريس فرض مزيد من الضغوط على القيادات اللبنانية ، ومن هذه الضغوط اعلان وزير الخارجية الفرنسي انه لن يلتقي من القيادات اللبنانية الا الرئيسين عون وبري دون الآخرين المعنيين بتأليف الحكومة الجديدة، وأولهم الرئيس المكلف بتشكيلها سعد الحريري، من دون أن يجد من استثناهم من لقاءاته أي تفسير رسمي من قبل السفارة الفرنسية في بيروت التي كانت تواصلت مساء يوم الجمعة الماضي مع عون وبري، واتفقت معهما على تحديد موعدين منفصلين لهما، وهذا ما اثار حفيظة الرئيس المكلف سعد الحريري حيث ذكرت مصادر بيت الوسط عن الرئيس المكلّف سعد الحريري قوله إن "الأمور بعد زيارة وزير الخارجية الفرنسية الى بيروت لن تكون كما قبلها، وإن الحريري يدرس كل الإحتمالات"، متوقعة أن الموقف الذي قد يتخذه عقب زيارة لودريان "قد يقلب الطاولة على الجميع".

باختصار الوضع اللبناني اسير الحسابات الشخصية والسياسية والطائفية للقيادات اللبنانية ، والمواطن اللبناني يدفع الثمن فهل تحرك التحديات الامنية و الاوضاع الاقتصادية والضغوط الدولية المياه الراكدة في الملف الحكومي قبل فوات الاوآن ؟

بسام غنوم