العدد 1460 /5-5-2021

ريتا الجمّال

بعد توقفٍ لأكثر من ستّةِ أشهرٍ وتدخل الولايات المتحدة على الخطّ، يخوض لبنان، يوم الثلاثاء، الجولة الخامسة من المفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية جنوباً مع الاحتلال الإسرائيلي بأسلحةٍ داخلية ضعيفة أثّرت الخلافات السياسية في فعاليتها، في وقتٍ يتحصّن وفد الاحتلال بموقفٍ موحّدٍ عالي السقف، مستغلاً التماهي الأميركي مع مطالبه وشروطه والتخبّط اللبناني مع استمرار رفض الرئيس ميشال عون توقيع تعديل المرسوم 6433 - تحديد حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية.

ويؤكد مصدر قيادي رفيع في قيادة الجيش اللبناني لـ"العربي الجديد"، أنّ "التجاذبات السياسية لن تؤثر في الجهود التي يبذلها الوفد اللبناني وموقفه على الطاولة وتمسّكه بالخط الـ29 الذي يفاوض على أساسه وحقوق لبنان وثروته النفطية التي يعوَّل عليها في النهوض الاقتصادي، في ظلّ الانهيار الحاصل، رغم أن توقيع تعديل المرسوم 6433 وإيداعه لدى الأمم المتحدة يقوي وضعنا، باعتبار أن لبنان يتسلّح بالقوانين الدولية، وهذه تصبّ في مصلحته، ولا سيما أن المفاوضات تجري برعاية أممية".

ومن مسلّمات الوفد اللبناني أن تبدأ المفاوضات على أساس الخط الذي ينطلق من نقطة رأس الناقورة، تبعاً لما نصّت عليه اتفاقية "بوليه نيوكومب" عام 1923، الممتد بحراً استناداً إلى تقنية خط الوسط من دون احتساب أي تأثير للجزر الساحلية التابعة لفلسطين المحتلة، وفقاً لدراسة أعدتها قيادة الجيش اللبناني على أساس القانون الدولي، علماً بأنّ العدو يتمسك باعتبار صخرة تخليت جزيرة، مع أنها غير قابلة للسكن، ولا تنطبق عليها اتفاقية البحار الصادرة عام 1982، وهذه من النقاط الخلافية الأساسية.

وأودع الجيش اللبناني وزارة الدفاع كتاباً بالرقم 2320 بتاريخ 4/3/2021 يتضمن لوائح إحداثيات الحدود الجنوبية والجنوبية الغربية للمناطق البحرية اللبنانية، حيث تبين أن مساحةً إضافية تعود إلى لبنان، ما يفضي إلى تعديل الإحداثيات التي تناولها المرسوم رقم 6433/2011، ومن شأن التعديل المذكور أن يصحح حدود لبنان البحرية، بحيث ينتهي الخط الجنوبي عند نقطة 29 التي يريد الوفد اللبناني الانطلاق منها في التفاوض بدلاً من النقطة الـ23، ما يضيف 1430 كيلومتراً مربعاً إلى المساحة السابقة، 860 كيلومتراً مربعاً.

ويرفض الاحتلال الإسرائيلي الموقف اللبناني، ويضعه في خانة الاستفزاز، خصوصاً أنّ التعديل من شأنه أيضاً أن يعطي لبنان الحق بالتفاوض على نسبة من حقوقه في حقل كاريش الذي يستثمره العدو ويخوّل الدبلوماسية اللبنانية عند سلوكه الطريق مع الإحداثيات إلى الأمم المتحدة الطلب من اليونان منع شركة "انرجيان" اليونانية من الحفر في الحقل المذكور الذي يصبح عندها منطقة متنازعاً عليها.

وفي تكرارٍ لأول جولة عقدت بتاريخ 14 أكتوبر 2020، يذهب الوفد اللبناني اليوم إلى مقرّ الأمم المتحدة في الناقورة جنوبي لبنان، في ظلّ تنازع "دستوري قانوني" جديد بين الرئيس ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، أضيف إلى "خلاف الصلاحيات" سابقاً، وتلميح إلى ضرورة تشكيل وفدٍ مفاوض جديد اقترحه رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، كما فعل حليفه "حزب الله" ومعه "حركة أمل" (يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري) عشية انطلاق المفاوضات، يوم عبّرا عن رفضهما لوجود شخصيات مدنية في الوفد اللبناني، وشكّكا في أدائه.

وعلى الرغم من حصول لقاءٍ أمس الاثنين بين عون ودياب، لم يتطرق الرئيسان إلى موضوع تعديل المرسوم 6433 رغم الخلاف بينهما، وأكد مصدرٌ مسؤول في الحكومة اللبنانية لـ"العربي الجديد" أن دياب لن يدعو مجلس الوزراء إلى الانعقاد، كما طلب الرئيس عون، فهو قام بالإجراءات وفق الأصول القانونية والدستورية، وقد وقّع عليه كلّ من وزيري الدفاع زينة عكر والأشغال العامة والنقل ميشال نجار، وأحاله على رئيس الجمهورية لأخذ الموافقة الاستثنائية عليه، وبالتالي باتت الكرة في ملعب الرئاسة الأولى وحدها. علماً أنّ هجوماً كبيراً تعرّض له وزير الأشغال الذي ينتمي إلى "تيار المردة" (يتزعمه الوزير السابق سليمان فرنجية حليف حزب الله) مرفقاً بجملة اتهامات وتخوين من جانب "التيار الوطني" لتأخره في التوقيع.

ووُضِعَ رفض عون "التوقيع" من قبل معارضيه في إطار تسوية حصلت مع الموفد الأميركي ديفيد هيل، تمهد لرفع العقوبات الأميركية عن صهره باسيل، وخصوصاً أن الولايات المتحدة لا تحبذ التعديل الذي يصحح حدود لبنان ويلحق أضراراً وخسائر بالإسرائيليين.

من جهته، يقول الخبير الدولي في شؤون الطاقة والنفط رودي بارودي، لـ"العربي الجديد"، إنّ الإحداثيات السابقة التي سار عليها لبنان والتي شابتها أخطاء في ترسيم الخط البحري اللبناني، مرّ عليها الزمن، وخصوصاً مع التطور التكنولوجي والتقنيات العالية التي باتت توفرها الأقمار الاصطناعية".

وأضاف بارودي أنه من هنا "يمكن لبنان أن يجدد الإحداثيات ويسلك أي تعديل من شأنه أن يُصحح حدوده ويضمن حقوقه التي بذل فيها الجيش اللبناني عملاً جباراً مبنياً على دراسات عالية، قسم منها يعتمد على دراسة المكتب الهيدروغرافي البريطاني في عامي 2011 – 2012، وهي تثبت أحقية لبنان بمساحات إضافية في مياهه البحرية، علماً أن الخط الـ29 ليس جديداً كما يدعي العدو، فهو مرسَّم في قانون البحار وإحداثيات الجيش والدراسة المشار إليها".

ويلفت إلى أن خط الترسيم ينطلق بالنسبة إلى لبنان من رأس الناقورة والخط الـ29 الذي لا يأخذ وزناً للجزر الإسرائيلية غير المأهولة، التي هي تبعاً للقوانين الدولية صخور وليست جزراً، ومن هنا قوة الموقف اللبناني الذي ينسجم مع الاتفاقيات الدولية.

ويؤكد بارودي أهمية أن يكون الموقف اللبناني موحداً وصلباً وداعماً للجيش اللبناني، وعلى الوفد أن يبقى هو نفسه، حيث إن هذه المفاوضات تقنية، ومن المعيب إقحام السياسة بالملف.

وعُقدت أربع جولات بين الوفدين اللبناني والإسرائيلي في مقر قيادة القوات الدولية العاملة في الجنوب في الناقورة بين أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني 2020 بحضور الوسيط الأميركي الممثل بالسفير جون ديروشير، قبل أن يصار إلى إرجاء الجولة الخامسة التي كانت محددة في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول الماضي نتيجة ما عُرف وقتها بـ"حرب الخطوط"، ومنها خط النقطة الـ23، خط النقطة 1، خط فريدريك هوف.

وعمد العدو إلى اختلاق خطين جديدين، أحدهما بزاوية 310 درجات، ما يمنحه مساحة إضافية شمالاً، ويكبّر الهامش بين الخطّين، اللبناني والإسرائيلي، بحيث تصبح مساحة التفاوض حوالى 5000 كيلومتر مربع، وذلك رداً على موقف لبنان الذي اعتبره العدو أنه يطرح خطاً جديداً، أي 29.

واستبدلت الجولة الخامسة بمفاوضات جانبية قام بها الوسيط الأميركي مع الوفد اللبناني من جهة، ووفد العدو من ناحية ثانية، لكنها لم تؤدّ إلى استئناف المحادثات، فكان الجمود سيد المشهد قبل أن يزور وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل لبنان الشهر الفائت ويلتقي الرئيس ميشال عون ويعيد تحريك الملف من جديد. وقد أكد مصدر دبلوماسي أميركي لـ"العربي الجديد" أنّ الولايات المتحدة تنظر بإيجابية إلى استئناف المفاوضات.