العدد 1551 /22-2-2023

لا يفارق القلق اللبنانيّين منذ وقوع الزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا وسورية، وما رافقه من هزّاتٍ أرضيّة متكرّرة في لبنان أيضاً، كان أحدثها يوم أمس الخميس.

ولا يزال عدد من اللبنانيين يقضي أيامه ولياليه في الشوارع والباحات، ويلازم آخرون منازلهم وسط رعبٍ متواصلٍ.

فوالق لبنان تتأثّر بالبحر الميّت

ولتوضيح ما يجري، يؤكد الأستاذ المحاضر والباحث في الجيولوجيا وعلم الزلازل في الجامعة الأميركيّة في بيروت، طوني نمر، أنّه "منذ زلزالَي تركيا وسوريّة، حصلت في لبنان هزّات ارتداديّة وأخرى غير ارتداديّة خارج نطاق فالق الأناضول، لكنّ عددها قليل، بينها الهزّة الأرضيّة في الثامن من فبراير/شباط الجاري على بُعد 5 كيلومترات من الهرمل جنوباً، وعلى الأرجح الهزّتان اللّتان شعرنا بهما يوم أمس (الخميس)، لكنّهما لم تحصلا في لبنان".

ويعد الفالق أحد التراكيب الجيولوجية التكتونية الأصل، وهو عبارة عن كسور وتشققات في الكتل الصخرية يصحبه انتقال أو حركة في منسوب الطبقات الصخرية على جانبي مستوى الكسر، وتكون هذه الحركة إما انتقالية أو دورانية أو انتقالية دورانية.

وينبّه علماء إلى أنّ "حركة الهزّات الارتداديّة كانت محصورة على فالق الأناضول الشرقي الذي تسبّب بالزلزال الأول، والفالق الثاني لجهة الشمال منه (مكان وقوع الزلزال الثاني)، غير أنّنا بدأنا نشهد هزّاتٍ ارتداديّة صغيرة تتّجه نزولاً نحو منطقة الإسكندرون. وهذه المنطقة معقّدة جيولوجيّاً لوجود فالقين كبيرين في البرّ وفالقين في البحر. ففالق البحر الميّت يتّصل بفالق الأناضول الشرقي في هذه المنطقة، والفالق البحري الأول يمرّ بيننا وبين قبرص، ويشكّل سلسلة جبليّة بحريّة تحت المياه طولها نحو 250 كيلومتراً، تُسمّى سلسلة اللاذقية.

ويضيف باحث في الجيولوجيا وعلم الزلازل: "لا يمكننا تحديد الفالق الذي أدّى إلى الهزّتين يوم أمس، لكن على الأرجح ليس فالق البحر الميّت الذي يؤثّر على فوالق لبنان. ففالق البحر الميت يمتدّ على ألف كيلومتر، حيث يبدأ من خليج العقبة في الأردن ويمرّ بوادي عربة (بين الأردن وفلسطين) ومنطقة البحر الميّت، ومن ثمّ وادي الأردن (الحدود بين الضفة الغربيّة والأردن)، ويصل إلى بحيرة طبريّا، ومن ثمّ إصبع الجليل (فلسطين المحتلة)، وصولاً إلى لبنان، حيث يصبح اسمه فالق اليمّونة بعد أن يلتفّ باتجاه اليمين قليلاً. ومن ثمّ ينقسم إلى ثلاثة فوالق غير فالق اليمّونة، وهي فالق روم، راشيا وسرغايا. وهذه الفوالق الثلاثة لا تمتدّ على كلّ لبنان، إنّما تقف في أماكن محدّدة، غير أنّ فالق اليمّونة يصل لبنان من جنوبه إلى شماله، وفي شمال لبنان يصل لمنطقة البقيعة في عكّار، ويكمل باتجاه سورية نحو منخفض الغرب السوري، ومن ثمّ يدخل تركيا، حيث يتلاقى مع فالق الأناضول الشرقي.

ويحذّر الأستاذ المحاضر من "خطورة هذا الفالق، كونه قد يتسبّب بحدوث تسونامي في لبنان، حيث تشير تضاريس عمق البحر إلى أنّ هذا الفالق تحرّك تاريخيّاً، ولكن لا نعلم متى تحرّك آخر مرة، وعلى الأرجح أنّ تسونامي عام 551 حصل على هذا الفالق". ويتابع: "لكن في حال حصول هزّة أرضيّة في البحر على هذا الفالق، بدرجة صغيرة أو كبيرة، فمن الممكن أن يتحرّك البحر وترتفع الأمواج 20 أو 50 سنتيمتراً أو متراً واحداً، سواء خلال هذه السنة أو بعد مائة عام، لكن الأهمّ أن نكون متنبّهين ومستعدّين للابتعاد عن الشاطئ بمجرّد ملاحظة حركة غير طبيعيّة، والانتقال من الطوابق الأرضيّة إلى الطوابق الأعلى. لكن لا حاجة لمغادرة المنازل على المدن الساحلية، فلن تصل الأمواج إلى 3 أمتار وتغمر البلاد، ولن نشهد تسونامي مماثلاً لذلك في اليابان. كما أنّ تسونامي لا يحدث قبل وقوع زلزالٍ".

ويطمئن إلى أنّ "ما يحصل يُعدّ طبيعيّاً، كوننا نعيش أزمة زلزاليّة، فالأرض تتحرّك بسبب فالق الأناضول، والفوالق تنفّس ضغوطاتها رويداً رويداً، باتجاه الشرق واتجاه جنوب غرب (أيّ منطقة الإسكندرون). باختصار، الأمور تحصل بطريقة خفيفة ولا تتطلّب الرعب والذّعر، غير أنّ البعض يقوم بالتشويش ونشر معلومات خاطئة. وما من أحدٍ في الدولة اللبنانية للأسف يقدّم معلومات تكسب ثقة الأهالي والسكّان وتهدّئ من روعهم".

وأمس، أعلن المركز الوطني للجيوفيزياء التابع للمجلس الوطني للبحوث العلمية أنه "سجّل عند الساعة الواحدة والدقيقة السادسة عشرة بالتوقيت المحلي من بعد ظهر يوم الخميس، هزة أرضية قوية بقوة 4.6 على مقياس ريختر، حدد موقعها على الساحل السوري، وقد شعر بها بعض المواطنين".