العدد 1485 /3-11-2021

هل يصح اتهام بلفور بالمسؤولية عن إشعال حرب دينية، وإذكائها في العالم، وليس في فلسطين فقط؟ لو تناولنا شخصية وزير خارجية بريطانيا سواء في مذكرات أول رئيس لدولة الاحتلال حاييم وايزمان أو غيرها من المراجع، لأدركنا أن بلفور ساهم في إقناع الحكومة البريطانية بالوعد، وأطلقه، بناء على خلفية دينية، وليس لأبعاد سياسية فقط، حتى لتبدو السياسة على هامش دوافعه الدينية أحياناً. وشخص مثل بلفور، قرأ التاريخ، ويدرك لا شك، المخاطر من تجريد المسلمين والعرب من بلاد بهذه القدسية.

كان في البداية بلفور كارهاً لليهود، لكنه تحول إلى عاشق لهم ولأهدافهم بسبب إيمانه بالمسيحية الصهيونية. فعندما كان يتحاور عام 1906 مع وايزمان حول البلد الذي يمكن أن يستوطنه اليهود، كانت إجابة وايزمان إجابة دينية طبقاً لمعتقدات بلفور "إن الصهيونية حركة سياسية قومية لكن لن يكتب لها النجاح إلا إذا عنينا أولا بناحيتها الروحية، وأثرنا بذلك الحاسة الدينية في اليهود، وهل هناك ما يصلح لتحقيق هذا كله إلا فلسطين؟".

وفي مكان آخر من المذكرات يورد وايزمان ما يلي "وللقارئ أن يسأل: ولماذا كانت حماسة الإنكليز لليهود، وشدة عطفهم على أماني اليهود في فلسطين؟ والجواب على ذلك أن الإنكليز، لا سيما من كان منهم من المدرسة القديمة، هم أشد الناس تأثرا بالتوراة، وتديّن الإنكليز هو الذي ساعد على تحقيق آمالنا لأن الإنكليزي المتدين يؤمن بما جاء في التوراة من وجوب عودة اليهود إلى فلسطين. وقد ساعدتنا الكنيسة الإنكليزية في هذا الباب أكبر المساعدات".

وكان التفسير الديني للصراع قد ترك أكبر تأثير في الحكومة البريطانية بالفترة التي رافقت إصدار وعد بلفور، فلويد جورج، وزير المالية البريطاني، الذي عمل على وعد بلفور، يصفه وايزمان بأنه "رجل متعصب، يُفضل أن تذهب فلسطين لليهود على أن تذهب إلى فرنسا الكاثوليكية، الكافرة".

كان بلفور دائم النطق والحديث بـ "رؤى توراتية"، حتى إنه عندما جاء فلسطين لافتتاح الجامعة العبرية عام 1925. وبعدها زار تل أبيب قال: "أحسب أن المسيحيين في أوائل المسيحية كانوا كهؤلاء اليهود الذين يعيشون اليوم في فلسطين بالأمل".

وعد بلفور هو أول اعتراف رسمي بالصهيونية كممثل لليهود، رغم أن أغلبية اليهود كانت ضد الصهيونية، وأزال وعد بلفور تحفظات الكثيرين من اليهود تجاه الصهيونية، وتخوفهم من تهمة "الولاء المزدوج".

ويكفي أن نورد ما ذكره المؤرخ وليد الخالدي في كتابه "الصهيونية في مائة عام"، من أن عدد أعضاء الاتحاد الصهيوني الأميركي عام 1914 (أي قبل وعد بلفور) كان 12000 عضو، بينما لم تتجاوز ميزانيته 15 ألف دولار. وفي عام 1919 أصببح 176 ألف عضو، وميزانيته 3 مليون دولار.

ولا شكّ أن أرض فلسطين بقداستها، لم تكن لتشهد كل تلك الدماء، لو لم يكن بلفور يملك هذه الحماسة الدينية لسرقة الأرض، وتوريث ما لا يملك، على أسس دينية، ليشعل معارك تستوجب اعتذار بريطانيا.

أحمد الحاج علي