العدد 1500 /16-2-2022

نفى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، مساء الثلاثاء، وجود خلافات حول موعد ومضمون القمة العربية المقبلة المقررة في الجزائر، ولمّح إلى إمكانية أن تعقد القمة عشية الاحتفال بذكرى الثورة التحريرية الموافق للأول من تشرين الثاني المقبل.

وقال الرئيس الجزائري، في حوار بثه التلفزيون الحكومي، إن "القمة العربية ستكون في الثلاثي الأخير من السنة الجارية، وعلى الأرجح أن تعقد في موعد مرتبط بيوم تاريخي بالنسبة لنا"، في إشارة منه إلى ذكرى ثورة الجزائر (1954)، أو عشية الاحتفال بها نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

وكان وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة قد أبلغ سفراء الدول العربية المعتمدين في الجزائر، خلال لقاء قبل أسبوعين، أن "الرئيس عبد المجيد تبون يعتزم اقترح موعد لعقد القمة المقبلة، يجمع بين الرمزية الوطنية التاريخية، والبعد القومي العربي، ويكرّس قيم النضال المشترك والتضامن".

وذهبت مجمل التفسيرات إلى أنه يقصد نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول كرمزية عربية تخص حرب أكتوبر 1973، وعشية ذكرى ثورة التحرير الجزائرية.

وقال الرئيس الجزائري إنه سيعقد اجتماع لوزراء الخارجية العرب في التاسع من مارس/آذار المقبل، يتم خلاله تحديد الموعد الرسمي بناء على اقتراحات تقدمها الجزائر.

ونفى الرئيس الجزائري في السياق وجود أي خلافات حول القمة العربية، قائلا: "كل العرب ينتظرون انعقاد القمة في الجزائر، لم نجد إلا التشجيع من الدول العربية، والجولة التي قام بها وزير الخارجية رمطان لعمامرة حملت مؤشرات إيجابية"، مضيفا: "نحن نعمل على لمّ الشمل، وهذه سياستنا دائما، والجامعة العربية تحتاج إلى إصلاحات".

وردا على سؤال حول التطورات إزاء العلاقة مع المغرب، بعد إعلان الجزائر رفضها أية وساطات، أكد الرئيس الجزائري أنه "لا شيء تغير في العلاقات مع المغرب"، مضيفا: "بالعكس، العلاقة ازدادت تعقيدا بسبب زيادة حجم الدعاية ضد الجزائر من هذا البلد الجار، وبدعم من إسرائيل، لبثّ الأكاذيب".

وكانت الجزائر قد قطعت، في 26 أغسطس/آب الماضي، العلاقات الدبلوماسية مع الرباط، واتهمت المغرب بالتورط فيما أسمتها "مؤامرات" ضدها. كما قامت الجزائر، في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بوقف ضخ الغاز عبر الأنبوب العابر للتراب المغربي إلى إسبانيا.

وحول عودة الدفء إلى العلاقات الجزائرية الفرنسية مؤخرا، أقر الرئيس تبون بحدوث تطور إيجابي وذوبان الجليد في العلاقات الجزائرية الفرنسية، وأبدى رضاه عن خطوات أخيرة قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تخص إحياء ذكرى قمع مهاجرين في باريس خلال فترة الاستعمار الفرنسي، مشيرا إلى "موقع الجزائر كدولة محورية في المنطقة وفي أفريقيا، فرض على باريس مراجعة علاقاتها مع الجزائر".

وأشار إلى أن وفدا يقوده الأمين العام لوزارة الخارجية الفرنسية زار الجزائر قبل أيام، وأجرى لقاء مع الأمين العام للخارجية الجزائرية، وخرج اللقاء بنتائج وصفها بـ"المهمة جدا".

وكانت أزمة دبلوماسية قد وقعت بين الجزائر وباريس، على خلفية تصريحات مثيرة أدلى بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن الجزائر، اعتبرتها الأخيرة مساسا بتاريخها، وقررت في الثاني من أكتوبر/تشرين الثاني استدعاء السفير عنتر داود للتشاور ووقف الاتصالات الدبلوماسية، قبل أن يقرر الرئيس تبون، في التاسع من يناير/كانون الثاني الماضي، عودة السفير إلى باريس وإنهاء الأزمة.

جرائم الاستعمار النووية في الجزائر.. ماذا توثّق التقارير الفرنسية؟

يقول وزير المجاهدين الجزائريين السابق الطيب زيتوني إن باريس ترفض تسليم بلده الخرائط الطبوغرافية لمواقع التفجيرات النووية، مؤكدا أن هذه القضية هي "الأكثر حساسية من بين ملفات الذاكرة (بين فرنسا والجزائر) وتتطلب إجراءات عملية مستعجلة للتسوية".

ويؤكد عضو مركز البحث النووي عمار منصوري أن فرنسا استعملت صحراء بلده منذ ذلك التاريخ وحتى 16 فبراير/شباط 1966 مسرحًا لـ57 تفجيرا وتجربة نوويّة.

وخلّفت التجارب في مواقع مختبرات الطاقة الذرية الفرنسية والتي غادروها في عام 1967 وكان مقرها بصحراء الجزائر، ضحايا مدنيين وعسكريين جزائريين جددا، زيادة على ضحايا فترة التفجيرات من بين العمال الجزائريين والمواطنين الأصليين والبدو الرحل، وكذلك الجزائريين الذين تمّ استعمالهم كمختبر تجارب، وفقما سجّله الباحث منصوري فير العدد الأول من المجلة العلميّة "مصادر تاريخ الجزائر المعاصر"، الصادر عام 2019.

وكشف وزير الخارجية الجزائري الأسبق صبري بوقادوم أن هذه التفجيرات النووية عادلت 4 أضعاف قنبلة هيروشيما باليابان. وبلغ عدد الضحايا الجزائريين من هذه التجارب 30 ألفا على الأقل، بعد إصابتهم بأمراض ناجمة عن التعرض لنشاط إشعاعي، بحسب وكالة الأنباء الرسمية.

وأثار رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق السعيد شنقريحة خلال استقباله نظيره الفرنسي فرانسوا لوكوانتر في أبريل/نيسان الماضي، مطلب إعادة تأهيل مواقع التجارب النووية الفرنسية القديمة. وشدّد على ضرورة تسليم الجزائر الخرائط الطبوغرافية لتحديد مناطق دفن النفايات الملوثة والمشعة أو الكيميائية غير المكتشفة لحد اليوم.

وهو المطلب نفسه الذي تكّرر مطلع يونيو/حزيران الماضي على لسان الرئيس عبد المجيد تبون في مقابلة مع صحيفة "لوبوان" (Le Point) الفرنسية.

غير أن وزير المجاهدين السابق الطيب زيتوني صرّح لاحقا بأنّ باريس ترفض تسليم بلده تلك الخرائط الطبوغرافية، مؤكدا أن هذه القضية هي "الأكثر حساسية من بين ملفات الذاكرة (بين فرنسا والجزائر)، وتتطلب إجراءات عملية مستعجلة للتسوية".

وسبق للبرلمان الفرنسي إصدار ما يُعرف بقانون "موران" في الخامس من يناير/كانون الثاني 2010 للاعتراف بضحايا التجارب النووية الفرنسية وتعويضهم، والتي شارك فيها حوالي 150 ألف شخص ما بين عسكري ومدني.

وعن آثار تلك التجارب، وفق ما يوثقه تقرير مجلس الشيوخ الفرنسي المنشور على موقعه الرسمي، فإن تجربة "الجربوع الأزرق السطحية" كانت بقوّة 70 كيلوطنا باستعمال البلوتونيوم، وأدت إلى تساقطات إشعاعية على شرق منطقة رقان بصحراء الجزائر، ثمّ دوران سحابة نووية امتدت إلى نجامينا وعواصم أفريقية أخرى، قبل وصولها في اليوم الثامن إلى مدينة الجزائر.

واستغرب المختص في التاريخ الحديث والمعاصر دحمان تواتي وصْف الوثيقة البرلمانيّة الفرنسية التفجير النووي بالتجربة الناجحة، وزعمها عدم وجود سكان حينها بالمنطقة.

وأوضح تواتي في تصريح للجزيرة نت، أن خريطة التفجيرات التي أفرج عنها الجيش الفرنسي عام 2014، تحت تأثير الملاحقات القانونية لقدماء العاملين الفرنسيين المتضرّرين، تُناقض التقرير البرلماني.

وقال المختص في التاريخ إن التلوث النووي الفرنسي وصل إلى جنوب إسبانيا وفق وزارة الدفاع الفرنسية، في حين لا يعترف قانون "موران" بالتعويض إلاّ لمن يثبت وجوده في "المنطقة السوداء".

وتساءل تواتي: لماذا خفضت فرنسا شحنة التفجير النووي السطحي الثانية من 70 إلى 5 كيلو طن ونقلتها من السطح إلى باطن الأرض؟ مبررا ذلك بحجم التهور والتلوث في التجربة الأولى.

وأكد المؤرخ الجزائري وقوع تسرّب إشعاعي واسع وخطير في تجربة "بيرلي" بجبل أراك في المنطقة المستهدفة، بفعل انتشار سحابته التي مسّت الإنسان والحيوان والبيئة، مما أدّى إلى فرار المسؤولين الفرنسيين قبل تطهيرهم فورًا من الجرعات الكبيرة.

من جهة أخرى، يرى المؤرخ عامر رخيلة أن اختلافات الطبقة السياسية في فرنسا حالت دون البت النهائي في موقفها الرسمي الواجب نهجه تجاه ملف التفجيرات النووية وقضيّة الذاكرة عمومًا مع الجزائريين.

وقال رخيلة للجزيرة نت إن تسليم خرائط التفجيرات للجزائر وتنقية خنادقها من التجهيزات والعتاد والمواد المشعة المردومة في الأعماق، سيكشفان حجم الجريمة المستمرة ضد الكائنات الحية، مما يودّي إلى تفنيد مزاعم فرنسا بشأن التجارب

وأوضح أنّ قانون "موران" استثنى عمليّا الجزائريين بإلقائه عبء إثبات الضرر علميّا وطبيّا على عاتق المتضرر من التفجيرات، مع إيداع الملف شخصيّا.

ولو كانت هناك إرادة لدى السلطات الفرنسية في استفادة الضحايا الجزائريين من التعويض لتحاورت مع الجهات الحكوميّة لاستكمال الإجراءات، وفتحت مكتبًا في الجزائر يتولى تنفيذ الخطوات التي تضمنها القانون، مثلما يعتقد رخيلة.

ومن جانب آخر، يدعو مستشار القانون الدولي كمال فيلالي الجزائريين إلى الاعتماد على القانون الدولي الإنساني واتفاقيات حقوق الإنسان لملاحقة فرنسا عن جرائمها النووية.

وأوضح أن 4 اتفاقيات دولية (اتفاقيات جنيف الصادرة يوم 12 أغسطس/آب 1949) منعت المساس بالحق في الحياة وحقوق أخرى في زمنيْ الحرب والسلم. كما أن القانون الدولي حظر تصرف الدولة المستعمِرة بأعمال غير مسؤولة وإجرامية ضد السكان الأصليين.

وأشار إلى إمكانية الاعتماد كذلك على الاتفاقية الأوروبية لحماية الحقوق الأساسية للإنسان والحريات (1950) ونصوص أخرى ضمن إطار الأمم المتحدة لملاحقة فرنسا.

وأشار الخبير لدى الأمم المتحدة، في تصريح للجزيرة نت، إلى أن فرنسا لم تصادق في الخامس من أغسطس/آب 1963 بموسكو على اتفاقية متعلقة بمنع جزئي للتجارب النووية في الجو وتحت البحار، كما لم توقّع قبلها على إعلان توقيف التجارب النووية في 1958.

واعتبر فيلالي، وهو أيضا نائب رئيس لجنة الاتحاد الأفريقي للقانون الدولي سابقا، أن قانون "موران" يشكل تمييزا فاضحًا بين الضحايا بإقراره تعويضات العسكريين الفرنسيين مقابل حرمان الجزائريين.

وخلص إلى أن الطريق الوحيد لمواجهة المشكلة المعروضة هو رفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية التي تهتم بالنزاعات بين الدول فقط.

وشدّد على ضرورة مواصلة مجهودات "اللجنة المختلطة بين الجزائر وفرنسا"، التي انطلقت أعمالها في 2008، مع وجوب تكثيف البحث في الملف.

عثمان لحياني