العدد 1432 / 14-10-2020

إبراهيم الصديق علي

وفي أول اختبار، اختار "ميجور" أو القائد نابليون لنفسه دارا، وتاجر مع "ويمبر"، وتعددت مظاهر الخروقات، فانهارت المزرعة وسادت الفوضي.

لقد حدث كل شيء وفق نسق عجيب، فقد "نسي جونز صاحب المزرعة إغلاق مزلاج قن الدجاج"، وبعد دقائق كانت كل الحيوانات طليقة.

هل يجوز إسقاط كل ذلك على واقعنا الآن في السودان؟ وذلك ابتداء من قصة اعتصام القيادة يوم ٦ نيسان ٢٠١٩م والتفاصيل والروايات المتعددة التي تشبه نسيان إغلاق المزلاج، وصولا للحكومة الانتقالية وهي تفرق بين المواطنين، تختار هذا صديق كفاح مسلح وهذا عدو، وتنتهك أبسط الحقوق وهي تصادق على قانون المعلوماتية الذي ضاعف كل العقوبات، ويسلب حق التعبير والعمل لمجرد أنك كنت جزءا من تجربة سابقة.

بل إن الحكومة حرمت الإنسان من حق العيش الكريم، والتضخم يصل إلى ٢٤٢.٤ في المئة، وأسعار السلع تضاعفت ثماني مرات خلال ستة شهور فقط، كما أشار تقرير مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان "أوتشا"، مع انعدام الأدوية.

ويتم فصل الآلاف من وظائفهم دون سبب وجيه، ويتم نقض مواثيق الحياد والكفاءة وتحولها لتمكين جديد ومحاصصات حزبية. فهل هناك من يمهد الطريق للفوضى في السودان ويراقب المشهد عن قرب؟

جاء في بيان انسحاب هيئة الدفاع من جلسة محاكمة قادة الإنقاذ التي عقدت يوم الثلاثاء ٦ تشرين الأول ٢٠٢٠م؛ "إننا أمام محكمة خالفت الدستور ومبادئ العدالة، وهي بهذا مهزلة من مهازل الحكومة الانتقالية، بل مسرح للعبث السياسي بثوب العدالة، آثرنا أن نكشف زيفها للشعب السوداني الكريم والعالم الحر الذي يبحث عن الحقيقة. ومن جانبنا، لن نكون جزءا من عبث الحكومة وغياب القانون.

وجاء ذلك بعد أن اعتلى النائب العام ليتلو خطبة الاتهام في المحكمة. لقد فصّلت الحكومة قوانين خاصة لكل من تصنفه عدوّا، وابتدعت قوانين لإيجاد المدخل لكل من تظنه صديقا (وتحول أعداء الأمس لأصدقاء الكفاح المسلح)، بل حتى الوثيقة الدستورية أصبحت خاضعة للتعديل والإضافة والحذف، دون إرادة شعبية أو انتخابات.

لقد قال نائب رئيس المجلس السيادي الفريق محمد حمدان دقلو، يوم ٢٨ أيلول ٢٠٢٠م؛ إن الحكومة اشترت الدولار من السوق السوداء لدفع التعويضات للأمريكيين، وأن ذلك هو السبب المباشر لارتفاع سعره وانخفاض العملة الوطنية.

وكانت الحكومة قد أعلنت مساء ١٠ أيلول ٢٠٢٠م أنها وفرت المبالغ من مصادر أخرى، واتهمت أطرافا كثيرة بالسعي للخراب، وذلك إثر ارتفاع الدولار مقابل الجنيه السوداني، من ١٤٠ جنيها إلى ٢٧٠ جنيها للدولار الواحد، قبل أن يتراجع قليلا إلى ٢٣٠ جنيها.

إن المصداقية والشفافية قيمة مفقودة في ظل هذه الحكومة، ولديها جرأة فى اتهام الآخرين وإلقاء اللوم عليهم، والقبض على تجار والزج بهم في السجون.

لقد شاع انعدام الأمن والاضطراب، وفتكت حمى الكنكشة (شكونيغونيا) بمواطني غرب دارفور، وهي ذات الحمى التي كانت إحدى منصات المعارضة عام ٢٠١٨م بولاية كسلا، ولكن اليوم لا يرمش للحكومة جفن، وحتى مخازنها الاستراتيجية خالية من مخزون الوقود والنقود والدقيق، فهل ثمة فوضى أكثر من ذلك؟

وأغلق محتجون ميناء بورتسودان الرئيسي عشية توقيع اتفاق السلام، احتجاجا على بعض الأطراف.

إن التعافي الوطني يبدأ من خلال التزام صارم بالمصلحة الوطنية، والتراضي السياسي وتجاوز حالة الاستقطاب، وتصويب الجهد في رفع المعاناة عن المواطن، أو خيار انفراط العقد، وهذا أمر تكلفته عالية. حفظ الله الوطن وأهله.