العدد 1502 /2-3-2022

بقلم: أمين العاصي

في اليوم الخامس من اجتياح الجيش الروسي لأوكرانيا، أعلنت تركيا أنها ستطبق اتفاقية مونترو، التي تتيح لها إغلاق المضائق التركية بين البحرين المتوسط والأسود أمام سفن دول متحاربة.

ويحرم هذا الأمر روسيا من إرسال سفنها إلى قاعدتها الأهم في شرق المتوسط، وهي طرطوس على الساحل السوري.

وقال وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، عقب اجتماع الحكومة الاثنين الماضي، إن بلاده أخطرت جميع الدول ألا ترسل سفنها الحربية من أجل عبور المضائق التركية. وبموجب معاهدة مونترو، التي أبرمت عام 1936، فإن تركيا تسيطر على مضيقي الدردنيل والبوسفور، اللذين يربطان بين البحرين المتوسط والأسود.

وبيّن جاووش أوغلو أن "اتفاقية مونترو تمنح تركيا صلاحية مطلقة في إغلاق المضائق إذا كانت طرفاً في الحرب". وأضاف: "أما إذا لم تكن تركيا طرفاً في الحرب، فلديها صلاحية عدم السماح لسفن الدول المتحاربة بالعبور من مضائقها". لكنه أوضح ان "الاتفاقية لا تحظر عبور السفن الحربية العائدة إلى قواعدها في البحر الأسود".

حرمان روسيا من إرسال إمدادات لحميميم

ومن المتوقع أن تكون للخطوة التركية تبعات سلبية على الاستراتيجية العسكرية الروسية، إذ حُرمت موسكو بموجب هذه الخطوة من إرسال إمدادات بحرية إلى أهم قاعدة لها في شرق المتوسط، وهي حميميم في ريف اللاذقية.

وكان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو زار القاعدة منتصف الشهر الماضي، وحضر جانباً من تدريبات بحرية أجراها الأسطول الروسي، على ساحل البحر الأبيض المتوسط، انطلاقاً من ميناء طرطوس، في رسالة واضحة بأن هذه القواعد الروسية على المتوسط باتت خط دفاع متقدما في أي مواجهة محتملة مع الغرب.

وتضم قاعدة حميميم مقر قيادة القوات الروسية في سورية. ويوجد فيها ما يسمّى بـ"مركز المصالحة الروسي"، وغرفة العمليات الرئيسية التي تُدار منها الأعمال القتالية في سورية.

وكانت وزارة الدفاع الروسية وسّعت، مطلع العام الماضي، قاعدة حميميم، التي أنشئت منتصف العام 2015، وأضافت مهبط طائرات لقاذفات استراتيجية، وفق مصادر في المعارضة السورية المسلحة، التي أشارت إلى أنه يوجد في القاعدة عشرات الطائرات المقاتلة والقاذفة والمروحيات من طرازات متعددة، إضافة لحمايتها بمنظومة دفاع جوي منفصلة، تضم صواريخ "بانستير"، ومنظومتي "أس 300" و"أس 400".

القواعد الروسية تحولت إلى "جزر معزولة"

وبين المحلل السياسي العميد مصطفى فرحات، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "إغلاق المضائق بين الأسود والمتوسط أمام السفن الحربية يعني حرمان الروس من الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط".

وبرأيه تحولت القواعد الروسية على الساحل السوري لما يشبه الجزر المعزولة بموجب الخطوة التركية. ولفت إلى أنه لم تعد سفن الإمداد والدعم اللوجستي والسفن الحربية قادرة على الوصول إلى شرقي المتوسط، ومن المرجح أن يترك ذلك أثراً على التمركز الروسي في سورية.

وأعرب فرحات عن اعتقاده بأن الخطوة التركية ستلقي بظلالها على العلاقة التركية الروسية في سورية. وأضاف: "لم تكن هذه العلاقة منسجمة تماماً في الملف السوري. الخطوة التركية، إضافة إلى الخطوات الغربية، ستصعّب من مهمة الروس في أوكرانيا".

ومن المرجح أن تعتمد روسيا على الجو للوصول إلى قواعدها في شرق المتوسط، إلا أن فرحات أشار إلى أن "النقل الجوي الروسي يواجه هو الآخر مشكلة، بسبب حظر الأجواء على الطيران الروسي من قبل العديد من الدول". وأوضح أنه يتم اعتماد النقل البحري في المجالات العسكرية لقدرته على نقل قطعات عسكرية بقوامها الكامل.

وفي السياق، أوضح القيادي في فصائل المعارضة السورية العميد فاتح حسون، في حديث مع "العربي الجديد"، أن إغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل أمام السفن الحربية "يعني منع عبور السفن الحربية للأساطيل العسكرية للأطراف المتحاربة أو المتدخلة (في الحرب)، ومنع عبور السفن التي تحمل إمدادات عسكرية".

ولفت إلى أن جميع الأنشطة العسكرية للأسطول الروسي ستتوقف حركتها بين البحرين الأسود والمتوسط، وتنقطع أية إمدادات بحرية للروس عبر المضيقين.

القوات الروسية تعتمد على الإمدادات المحلية

واعتبر أنه "ربما لا يكون لمثل هذا القرار الأثر البالغ على القوات الروسية في تأمين إمدادات ضرورية، فجل اعتمادها على الإمداد المحلي". وأوضح أن اتساع الرقعة الجغرافية الروسية، ونفوذها الواسع على جمهوريات مستقلة كان يضمها الاتحاد السوفييتي يشكل مصدراً مهماً لتأمين الموارد التي يحتاجها الجيش الروسي.

غير أن حسون أشار إلى أن "إغلاق المضيقين في وجه السفن الحربية سيشكل عائقاً كبيراً أمام حرية تنقل السفن الروسية العسكرية، وكذلك إعاقة تأمين إمداد سفن المتوسط في قاعدة طرطوس، والاحتياجات العسكرية للقوات المتواجدة في قاعدة حميميم، وبقية النقاط العسكرية التي يسيطر عليها الروس في سورية".

واعتبر أن "تفعيل الجانب التركي لاتفاقية مونترو لعام 1936 أبقى على حق أنقرة سارياً في إغلاق المضائق وفق الاتفاقية". وأضاف أنه لو لم تُقدم تركيا على هذه خطوة منع عبور السفن الحربية فإن هذا الأمر كان بمثابة إسقاط لحقها في القيام بذلك مستقبلاً.

من جهته، بيّن العقيد المنشق عن سلاح الطيران التابع لقوات النظام مصطفى البكور، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "مطار حميميم وقاعدة طرطوس البحرية قاعدتان روسيتان منذ سنوات"، لافتاً إلى أنه يتم فيهما تخزين كل مستلزمات العسكريين الروس.

ولا يتوقع بكور أن يتأثر الوجود العسكري الروسي في سورية خلال أيام أو أسابيع أو أشهر جراء منع عبور السفن الحربية من المضيقين، لافتاً إلى أنه إذا استمرت الحرب في أوكرانيا لفترة طويلة فبالتأكيد التواجد العسكري الروسي في سورية سيتأثر سلباً، وقد تضطر روسيا لتخفيفه، أو إنهائه كلياً، لكن ليس خلال الأشهر القليلة المقبلة.