العدد 1562 /10-5-2023

أمين العاصي

تحضر العديد من الملفات في مباحثات هي الأولى من نوعها بين وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري في موسكو، التي تدفع باتجاه تقارب بين دمشق وأنقرة يصطدم حتى اللحظة بالعديد من الشروط المتبادلة والتي ربما يحتاج تنفيذها سنوات.

وشدد وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، في تصريحات صحافية، أمس الأول الاثنين، على أن بلاده ستبحث في الاجتماع الرباعي اليوم "العودة الآمنة" للاجئين السوريين إلى بلدهم، مؤكداً ضرورة أن يعود اللاجئون السوريون إلى بلدهم بشكل "آمن وإنساني وعلى دفعات، ووفق خطة معينة".

ولم يستبعد عقد لقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس النظام السوري بشار الأسد. وقال: "المرحلة التالية هي لقاء للرئيسين. وآمل ألا يستغرق الأمر وقتاً طويلاً، وسيجري اللقاء خلال العام الحالي".

وكان جاووش أوغلو قد استبق الاجتماع الرباعي بدعوة النظام السوري إلى استبعاد الحل العسكري، والانخراط بالعملية السياسية للتوصل إلى حل للقضية السورية، مضيفاً في تصريحات صحافية له الجمعة: لا يوجد حل وسط بين الحلين العسكري والسياسي. وأكد استحالة الحل العسكري في سورية، متابعاً: "إذا اتخذت الإدارة السورية موقفاً مؤيداً للحل السياسي فستزداد احتمالية إيجاد حل، أما إذا رفضت وقررت الاستمرار في محاربة الجميع مهما كلفها الأمر فإن الحل سيستغرق عقوداً".

مسار الاجتماعات التركية السورية

ويُعدّ هذا الاجتماع الذي تحتضنه العاصمة الروسية موسكو اليوم، الأول من نوعه، ويهدف إلى ردم هوة الخلاف حول العديد من القضايا، تحديداً بين تركيا والنظام السوري، في سياق جهود وساطة تقودها موسكو هدفها التطبيع بين دمشق وأنقرة، بعد قطيعة بدأت في مطلع عام 2012.

وكان الجانب التركي قد بدأ في ديسمبر/كانون الأول الماضي تقارباً مع النظام السوري بدفع من الجانب الروسي، واجتمع أواخر ذلك الشهر وزير الدفاع التركي خلوصي أكار ونظيره في النظام السوري علي محمود عباس، بمشاركة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، واتفقا على تشكيل لجان مشتركة من مسؤولي الدفاع والمخابرات. وفي أواخر الشهر الماضي، عُقد في موسكو اجتماع رباعي ضم وزراء دفاع ورؤساء استخبارات تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري لاستكمال المباحثات حول ملفات عسكرية وأمنية.

وجاء الاجتماع عقب اجتماع دبلوماسي رباعي مطلع الشهر الماضي، ضم نواب وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري لتمديد الطريق أمام مباحثات وزراء الخارجية في هذه الأطراف والتي تعقد اليوم.

ومن المتوقع أن تُوضع العديد من الملفات على طاولة التباحث بين وزراء الخارجية اليوم، أبرزها ملف اللاجئين السوريين في تركيا، والمقدر عددهم بنحو 4 ملايين لاجئ، تريد أنقرة إعادتهم إلى بلادهم وفق ترتيبات أمنية مع النظام السوري.

ويريد هذا النظام انسحاباً عسكرياً تركياً من الشمال السوري، ووقف دعم فصائل المعارضة السورية، تمهيداً لاستعادة قوات النظام المناطق التي تسيطر عليها هذه الفصائل غرب الفرات وشرقه.

وتصطدم هذه الرغبة برفض معلن من الجانب التركي الذي يتحدث عن انسحاب مشروط بالتوصل إلى حلّ سياسي "مرضٍ" بين النظام والمعارضة السورية يسمح بـ"تحييد" التهديد الذي تشكله "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) التي تسيطر على جل الشمال الشرقي من سورية، على الأمن القومي التركي.

كما تؤكد أنقرة أنها لن تتخلى عن فصائل المعارضة السورية ما دام النظام يرفض الانخراط بعملية سياسية، وفق قرارات الشرعية الدولية، وخصوصاً القرار 2245. وتبحث أنقرة عن تنسيق أمني وعسكري مع النظام لشن عملية عسكرية ضد "قسد" التي تحظى بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، والتي كما يبدو لن تسمح بالقضاء على هذه القوات، كونها الذراع البرية التي تقف بوجه تنظيم "داعش" في سورية.

وتحوّل الملف السوري إلى ورقة انتخابية في تركيا، لذا يحاول حزب العدالة والتنمية سحب هذه الورقة من يد المعارضة التركية التي تحاول استمالة الشارع قبيل أيام من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 14 مايو/أيار، من خلال التأكيد أن التعاطي مع ملف اللاجئين السوريين وإعادتهم إلى بلادهم خلال عامين من استلامها السلطة، أولوية بالنسبة لها.

وحول أبرز الملفات المتوقع التفاوض حولها في الاجتماع الرباعي، رأى مدير وحدة تحليل السياسات في مركز الحوار السوري للدراسات، محمد سالم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الملفات الأمنية ستكون حاضرة".

وأعرب عن اعتقاده بأن "التنسيق المشترك ضد المشروع الأميركي الذي يدعم قسد في شمال شرق سورية (شرق الفرات) هو على رأس القائمة، إضافة إلى موضوع الوجود العسكري التركي في شمال سورية".

ورأى سالم أن الجانب التركي "يريد شرعنة هذا الوجود باتفاق أضنة جديد، بينما لا يزال نظام دمشق يحاول فرض الانسحاب التركي وجدولته"، مضيفاً: "من الصعب التكهن بالتفاصيل، خصوصاً أن ما سينشر على الإعلام سيكون عناوين عريضة".

وكان النظام السوري قد وقّع في عام 1998 على اتفاق عُرف باسم "اتفاق أضنة" أعطى تركيا حق "ملاحقة الإرهابيين" في الداخل السوري حتى عمق خمسة كيلومترات، و"اتخاذ التدابير الأمنية اللازمة إذا تعرّض أمنها القومي للخطر". ويبدو أن الجانب التركي يريد تأكيد هذا الاتفاق في مباحثات موسكو، والمطالبة بتطويره ليسمح النظام السوري للجيش التركي بالتوغل لنحو 30 كيلومتراً في الأراضي السوري للقضاء على "قسد".

وفي السياق، رأى المحلل السوري، المقيم في موسكو، طه عبد الواحد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "اجتماع وزراء خارجية الرباعي (تركيا، إيران، روسيا والنظام السوري) ليس سوى محطة جديدة من السباق الإقليمي على قطعة من الكعكة السورية".

وتابع: "يبدو أن حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا والساعية للبقاء لاعباً مؤثراً في الملف السوري خلال المرحلة المقبلة، تحاول إدارة الملف السوري حالياً بما يخدم الحملة الانتخابية للرئيس رجب طيب أردوغان، الذي انتقد منافسوه بعض جوانب سياسته في الشأن السوري".

ولفت إلى أن "اجتماع وزراء الخارجية في موسكو اليوم الأربعاء سيكون الأخير الذي تشارك فيه تركيا تحت ضغط الحملات الانتخابية"، معرباً عن اعتقاده بأنه "في حال فوز أردوغان بالرئاسة مجدداً من المرجح أن تعود أنقرة إلى بعض التشدد في موضوع التطبيع مع بشار الأسد".

واستبعد عبد الواحد عقد لقاء رباعي على مستوى الرؤساء، أو اجتماع ثنائي بين أردوغان والأسد في المدى المنظور "أو على الأقل لن يجري تنظيمه بالوتيرة المتسارعة ذاتها لتنظيم الاجتماعات الرباعية على مستوى معاوني وزراء الخارجية وعلى مستوى وزراء الدفاع والأجهزة الأمنية".

وتوقع أن "تُظهر تركيا بعض التشدد في موضوع التطبيع حتى تُرغم دمشق على تحقيق مطالبها، بما في ذلك الرغبة التركية بالحفاظ على منطقة بعمق 30 كيلومتراً داخل الشمال السوري يحق للقوات التركية التحرك ضمنها بحرية مطلقة، فضلاً عن المصالح الاقتصادية التركية في سورية"، مضيفاً: "أنقرة تريد أن يكون لها دور في تشكيل سورية ما بعد التطبيع العربي".