مهند عبد الله

انتقلت مشاعر التعاطف مع الرئيس الحريري بعد إعلان استقالته من رئاسة الحكومة من العاصمة السعودية الرياض، من حالة التضامن السياسي -مع الرئيس المحتجز- الى حالة التضامن العاطفي الذي وصل إلى حد مطالبة وزير الخارجية جبران باسيل بعودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان، وعائلته أيضاً، وإلا فإنه سيعتبر هذه العودة عودة منقوصة.
هذا التعاطف الكبير تجاه الرئيس الحريري وعائلته من قبل الوزير باسيل أربك الرئيس الحريري نفسه الذي يحاول تسوية الأمور مع المسؤولين في السعودية من أجل تأمين عودة سريعة له الى لبنان في الأيام القليلة القادمة، أقله قبل ذكرى الاستقلال في 22 تشرين الثاني الجاري، ولذلك نقل مدير الأخبار في قناة المستقبل نديم قطيش عن الرئيس الحريري أنه اتصل بوزير الخارجية جبران باسيل وطلب منه سحب موضوع عائلته من التداول.
ويبدو أن التعاطف السياسي والعاطفي مع الرئيس الحريري لن يقف عند حدّ المطالبة بعودته إلى لبنان مع عائلته، كما يطالب الوزير جبران باسيل، فالرئيس ميشال عون كتب على موقع تويتر أن «لا شيء يبرّر عدم عودة الحريري، بعد مضيَّ 12 يوماً، وعليه نعتبره محتجزاً وموقوفاً، ما يخالف اتفاقية فيينا وشرعة حقوق الإنسان»، وأضاف الرئيس عون: «لا تخافوا، لا اقتصادياً، ولا مالياً، ولا أمنياً، البلد آمن والسوق المالية تعمل كما يجب، والوحدة الوطنية صمام الأمان».
وبغض النظر عن حالة التعاطف السياسي والعاطفي، وحتى الوجداني مع الرئيس الحريري من قبل أطراف وشخصيات سياسية معروفة بمعارضتها لمواقف الرئيس الحريري وسياساته، فإننا نسأل: هل هؤلاء يريدون فعلاً عودة الرئيس الحريري الى لبنان، أم يستغلون اقامته القسرية في الرياض لمآرب أخرى؟
فالرئيس ميشال عون يعتبره محتجزاً في السعودية، والوزير باسيل يهدد باللجوء الى الأمم المتحدة، وتتزامن هذه المواقف مع تأكيدات بأن وضع البلد آمن سياسياً واقتصادياً وأمنياً، ما يعني أن هناك توجهاً رسمياً لتصعيد الأمور مع المملكة العربية السعودية في إطار الصراع الإيراني - السعودي في المنطقة، وهو ما قد يرتب على لبنان تداعيات خطيرة جداً على كل المستويات السياسية والأمنية والمالية. وقد حذرت من ذلك الهيئات الاقتصادية وحاكم مصرف لبنان الذي أكد «اننا وصلنا الى مرحلة استقرار نسبية في الأزمة، لا إلى تسوية للأزمة»، ما يعني ان تصعيد الأمور مع السعودية ودول الخليج العربي سواء عبر المواقف السياسية أو الشعبية، أو عبر اللجوء الى الأمم المتحدة، فإن ذلك سيكون له تداعيات مدمرة على الاقتصاد اللبناني، وما يثير الأمور أكثر على الصعيد الاقتصادي هو ما جاء في افتتاحية صحيفة الاتحاد اللبنانية المحسوبة على إيران وحلفائها في لبنان حيث عنونت في افتتاحيتها الصادرة يوم الأربعاء الماضي «بالاقتصاد.. لبنان أقوى»، ومما جاء في المقال: «إزاء بعض التهديدات يمكن إيراد الكثير من أوراق القوة الوازنة في مواجهتها، وردود الفعل الاقتصادية الممكنة عليها،... وهناك التوجه لقبول التعاون الكهربائي مع إيران، وهو أمر محظور بسبب السعودية، وكذلك استيراد السلاح من إيران أو من غيرها...»، وهو ما يؤكد ان التعاطف مع الحريري له أهداف أخرى سياسياً واقتصادياً.
باختصار، استقالة الحريري رغم كل ما يحيط بها هي بسبب التجاوزات لسياسة النأي بالنفس، والتعاطف مع الرئيس الحريري يدخل في باب «ومن الحب ما قتل»، فهل هذا ما يراد للبنان؟>