أيمن حجازي

على الرغم من قتامة المشهد اﻻنتخابي اللبناني، فإن أساطين السياسة في لبنان ما زالوا يصطنعون تفاؤﻻً مشوباً بالحذر ويقولون إن وﻻدة القانون اﻻنتخابي الجديد باتت قاب قوسين أو أدنى. ولكن التدقيق في الطروحات اﻷخيرة ﻻ توحي أبداً بما يدعم هذا التفاؤل الذي يزعم أن القانون الوليد في طور وضع اللمسات اﻷخيرة عليه.  فالنقاط الرئيسية الكبرى التى نشب حولها الخلاف في البدايات جرى تجاوزها وأفلح القوم في الترويج للنسبية الكاملة وللدوائر الخمس عشرة، ولتأسيس دائرة انتخابية تجمع الشوف وعاليه، ما يضمن مكانة النائب وليد جنبلاط.
ولكن الغريب في اﻷمر الذي يناقض هذا التفاؤل، هو حجم الموضوعات التي تطرح في هذه المرحلة التي استُنفدَت فيها المهل القانونية والمواعيد ولم يبقَ إﻻ القليل من اﻷسابيع حتى ندخل في مرحلة الفراغ النيابي والتشريعي. فموضوع مثل إعادة تصغير عدد أعضاء المجلس النيابي من 128 نائب الى 108 نواب تحت عنوان أن هذا هو اﻷساس في «اتفاق الطائف»، موضوع كبير ﻻ يمكن أن يطرح في مرحلة وضع اللمسات اﻷخيرة، بل هو موضوع مركزي كان ﻻ بدّ من طرحه في البدايات. وتوحي إثارة هذا الموضوع بأن هناك رغبة في العودة الى النقطة الصفر أو ما يسمى المربع اﻷول. وكذلك اﻷمر بالنسبة إلى موضوع نقل المقاعد النيابية المسيحية ونزعها من مناطق اﻷكثرية الإسلامية الناخبة بغية تجميعها والوصول إلى عملية فرز طائفي اعتبرها رئيس المجلس النيابي نبيه بري بمثابة محاكاة لعمليات الفرز الطائفي التي تطاول المسيحيين في بعض بلدان المنطقة. وحتى مسألة تحديد النواب الستة الذين يفترض أن يمثلوا الطوائف اللبنانية الكبرى في اﻻغتراب اللبناني، فإنها يمكن أن تكون مثار خلاف كبير يهدد أي اتفاق مفترض للقانون اﻻنتخابي المنشود المفقود. وللمصادفة السياسية البريئة، فإن هذه المواضيع الثلاثة بطلها اﻷكبر رئيس «التيار الوطني الحر» ووزير خارجيتنا جبران باسيل، حيث يثور التساؤل عن اﻷسباب الكامنة وراء انتاج هذه المواضيع الخلافية الكبرى في هذه اللحظات النهائية من عمر المجلس النيابي الحالي؟
يرى البعض أن ما هو حاصل هو مجرد تكبير للحجر حتى يتم تحقيق مزيد من المكتسبات في أي قانون انتخابي قد يولد. أما المتشائمون فإنهم يرون أن القضية تنطوي على تحقيق أهداف اكبر متصلة بالصلاحيات الرئاسية. وحيث يجاهر البعض بالسعي إلى استعادة كامل الحقوق المسيحية التي انتزعت من القوم في «اتفاق الطائف»، وهذا ما يتطلب محاصرة الوهج الرئاسي الذي امتلكته الرئاسة الثانية ممثلة بالرئيس نبيه بري منذ خريف عام 1992، وهذا ما يسهل من عملية استعادة امتيازات الرئاسة اﻷولى أو بعضها، وتحديداً في ما يتعلق برئاسة الحكومة. كل ذلك يحصل في اطار الممارسة السلطوية بعيداً عن تعديل أي نص من النصوص الدستورية وعلى قاعدة أن رئيس الجمهورية ما زال يحتفظ وفق «اتفاق الطائف» بصلاحيات كبيرة، ولكنها حجمت عملياً أيام فترة النفوذ السوري المباشر (1990- 2005). 
ان هذه الرؤية تفترض أن وراء اﻷكمة ما وراءها وأن الخلاف ليس على مواد القانون اﻻنتخابي وحسب، بل القضية مفتوحة على حسابات سياسية أكبر.
وبلغة أخرى يمكن تبسيط الموضوع بأن مآﻻت الفراغ النيابي في العشرين من حزيران المقبل ستكون موجهة ضد شخص واحد يدعى الرئيس نبيه بري ونفوذه وسطوته ودوره وفعاليته السياسية المميزة... فهل تسير اﻷمور بهذا اﻻتجاه، وهل يرضى «حزب الله» حليف «التيار الوطني الحر»، باستهداف الشقيق الشيعي اﻷبرز، أم أن هناك حسابات أخرى ستكون قادرة على إحباط ما أُشير إليه آنفاً؟؟>