العدد 1481 /6-10-2021

للمرة الثالثة يتولى نجيب ميقاتي رئاسة الحكومة اللبنانية ، حيث تبرز علاقته مع رؤساء الجمهورية في هذه المرات الثلاث بشكل مختلف ومتنوع . كانت المرة الأولى إثر إغتيال الرئيس رفيق الحريري في شتاء عام ٢٠٠٥ ، وكانت العلاقة مع الرئيس إميل لحود الذي عانى آنذاك من حصار وتضييق أحكمه معسكر الرابع عشر من آذار . ويمكن اعتبار تلك الحكومة ، حكومة إنتخابات لم يترشح خلالها الرئيس ميقاتي للإنتخابات النيابية التي أجريت في ربيع ذلك العام . فلم يحصل ما من شأنه أن يشكل مواجهة ما بين الرئاستين الأولى والثالثة . أما الحكومة الثانية التي شكلها الرجل فقد كانت في عام ٢٠١١ . وهو عام تخلى فيه الميقاتي عن النأي بالنفس عن صراعات معسكري الرابع عشر والثامن من أذار فانحاز الى المعسكر الأخير لاجئا الى شعار النأي بالنفس في الحرب السورية التي اشتعلت في ذلك العام (٢٠١١) .

لم تكن العلاقة مع الرئيس ميشال سليمان معقدة ، وكانت خالية من الصعوبات الكبيرة التي نشأت مع معسكر الثامن من أذار ودفعت الى الطلاق بين الميقاتي وذلك المعسكر واستقالة الحكومة آنذاك . وقد لجأ الرجل الى تصليب موقفه المستند الى الخلفية الطائفية السنية محاولا الإستدراك وإصلاح ذات البين مع الحريرية السياسية التي باتت تلقى دعما واضحا من ميقاتي تجسدت أبرز صوره من خلال مواقف نادي رؤساء الحكومات السابقين الذي كان يضم الى جانبه الرؤساء فؤاد السنيورة وتمام سلام وسعد الحريري . وكانت مغامرة سعد الحريري وإبن عمته نادر مدوية في صيف ٢٠١٦ من خلال التسوية الرئاسية التي أعادت ميشال عون الى قصر بعبدا وأرجعت الحريري الى السرايا الكبير . حينها بدأت الساحة السياسية اللبنانية تشهد محاولات حثيثة لإستعادة بعضا من الصلاحيات المفتقدة للرئاسة الأولى من جراء إتفاق الطائف . وقد باتت هذه الصلاحيات منحسرة بعض الشيء بعد ان كانت شبه مطلقة في دستور ما قبل الطائف . وبما أن توزع الرئاسات اللبنانية حصل منذ عهد الإستقلال على الطوائف الكبرى الثلاث المارونية والسنية والشيعية ، فإن تلك الصلاحيات شبه المطلقة قد أوجدت إمتيازات ظالمة محتكرة من قبل الطائفة المارونية تخل بالتوازن الوطني بشكل كبير .

لقد رشح ميشال عون والتيار الوطني الحر نفسيهما للسعي الى إستعادة تلك الصلاحيات الرئاسية والإمتيازات الطائفية ، ودارت رحى المواجهات بين الرئيس نبيه بري وحركة أمل من جهة والرئيس عون والتيار الوطني الحر من جهة أخرى حول هذا الموضوع . وإن كان سعد الحريري قد اعتبر نفسه خارج هذه المواجهة بين عامي ٢٠١٦ و٢٠١٩ ، فإنه في الفترة اللاحقة وجد نفسه ملزما بالنزول الى هذا الميدان خصوصا عندما كان سلوك الرئاسة الأولى يوحي بالإقدام على إستيلاد عرف دستوري جديد يستبطن رغبة ما في إستعادة الصلاحيات والإمتيازات المفقودة المشار إليها .

ماذا يعني هذا الواقع في منظومة العلاقة بين الرئيس ميشال عون والرئيس نجيب ميقاتي في المرحلة المقبلة ؟

يتميز الرئيس ميقاتي بمرونة فائقة وقدرة على الإنسياب السياسي الذي يجعله قادرا على عبور الكثير من الكمائن والأفخاخ المنصوبة في علاقات الرئاستين الأولى والثالثة . إلا أن كل ذلك لا ينفي أبدا إمكانية حصول مواجهات مفترضة بين الجانبين حول العديد من القضايا المطروحة . خصوصا في ما يتعلق بطريقة إدارة الكثير من الملفات التي بات حضور رئيس الجمهورية فيها طاغيا وبما يؤدي الى الإمساك بخناق السلطة التنفيذية التي حصلت مي العام الأخير تحت ذريعة رفض الرئيس حسان دياب عقد جلسات لمجلس الوزراء لأن الحكومة مستقيلة . حينها بات قصر بعبدا يملك ناصية العديد من الملفات الحيوية المزدحمة . والتي سيجهد الرئيس ميقاتي لإستعادة إدارتها وفق ما ينص عليه إتفاق الطائف . وسيدرك الكثير من الساسة والمراقبين اللبنانيين المعنى الحقيقي لأصرار قصر بعبدا على فرض آلية معينة لتشكيل الحكومة ( وفق الجدول الذي أرسله الرئيس عون للرئيس المكلف آنذاك سعد الحريري ) . لأن من شأن ذلك ان يمتد أفقيا وعاموديا في صلاحيات الرئاسة الأولى في بنيان السلطة التنفيذية اللبنانية ... وقد أدرك الرئيس نبيه بري هذه الحقيقة أكثر من غيره وهذا ما كان يترجم عمليات التصدي التي كانت تمارس من قبل الرئاسة الثانية في وجه توسعات الرئاسة الأولى التي تتخذ طابعا العرف الدستوري في ظل إستحالة إحداث أي تعديل دستوري يعيد نظام الإمتيازات الطائفية الى الحياة .

ونجيب ميقاتي ملزم بخوض هذا الغمار الى جانب الرئيس نبيه بري ، وإلا فإن التساهل في هذه المواجهة له طابع تدميري على التوازن الوطني المضطرب وعلى البنية الدستورية اللبنانية القائمة .

أيمن حجازي