العدد 1426 / 2-9-2020
أيمن حجازي

بنعومة فائقة ، دخل العامل الفرنسي على ساحة الاحتدام اللبناني ولاقى قبولا نسبياً ومتفاوتا بين المكونات اللبنانية المختلفة التي تعاملت معه وفق خلفيات تاريخية متأججة . وقد حصل هذا القبول النسبي تحت وطأة العقم الذي أصاب الساحة السياسية اللبنانية وحال دون توافر الحد الأدنى من اللقاء السياسي بين الأفرقاء اللبنانيين . وبات المواطن اللبناني يفر من قبح الساسة اللبنانيين الى الوجه الفرنسي الذي بات يستعين بالرموز المحببة الى قلوب الشعب اللبناني ، فكان اختيار الرئيس الفرنسي للسيدة فيروز كي يفتتح بزيارتها جدول أعمال زيارته الثانية الى لبنان خلال شهر واحد .

وقد خضع الجميع تقريبا للموجة الفرنسية المدعومة من الولايات المتحدة الأميريكية وباقي دول الغرب الأوروبي ، والمسكوت عنها من قبل المملكة العربية السعودية وحلفائها الخليجيين . لقد تدخل الرئيس ماكرون بالكبيرة والصغيرة وانتهك السيادة اللبنانية دون أن يستفز أحداً بمن فيهم قوى الممانعة التي كانت موغلة في براغماتيتها وتعاطت بايجابية مع المسعى الفرنسي المتواصل أو المتصاعد والذي وصل الى مبادرة الرئيس الفرنسي الى الاتصال بالرئيس اللبناني وباقي الساسة كي يبلغهم باسم رئيس الحكومة الذي ينبغي تكليفه بتشكيل حكومة انقاذ للوضع اللبناني المتهالك . ويستمر الدور الفرنسي في رسم الخطوات المطلوبة وفي تحديد بعض التفاصيل ، وفي التلويح باتخاذ بعض الاجراءات العقابية بكل من تسول نفسه الوقوف في وجه حافلة التسوية المرحلية أو التسوية الجزئية للمعضلة اللبنانية في صورتها الحالية . وهنا نقول حافلة التسوية كي نؤجل استخدام تعبير قطار التسوية الى مناسبات أخرى تكون فيها التسوية المطروحة أكثر شمولا واكثر جذرية .

كيف يمكن للساسة اللبنانيين أن يتعاملوا مع المبادرة الفرنسية ومع الرئيس ماكرون ؟ هل تتجاوب الطبقة السياسية وتتبادل تقديم التنازلات المطلوبة ؟ أم أنها تبقى أسيرة المناورات المعهودة ؟

ما حصل بين الزيارتين ، والمقصود هنا زيارة ماكرون الأولى في السادس من اب الماضي وبين زيارته الثانية في الأول من أيلول الحالي كان مماطلة بامتياز تخلله تأجيل للاستشارات النيابية الملزمة ينطوي على خرق فاضح للأعراف الدستورية التي توجب الدعوة الى هذه الاستشارات فور قبول استقالة الحكومة السابقة . وقد تدارك الساسة اللبنانيون الأمر في ربع الساعة الأخير الذي سبق موعد الزيارة الثانية وتصاعد الدخان الأبيض وبات عندنا رئيس مكلفا يدعى مصطفى أديب . ولكن ذلك استوجب اتصالات مباشرة من قبل الرئيس ماكرون بعدد من الساسة اللبنانيين من أصحاب الرؤوس الكبيرة كي يتم اقناعهم بمصطفى أديب وزيرا أول ومخلصا مما نحن عليه من سوء حال سياسي ومالي واقتصادي وأمني مشهود .

لكن، هل يمكن للمماطلة السياسية أن تختفي أو تتراجع في مرحلة التأليف وما بعد التأليف ؟؟

لعل ذلك يبقى رهن الشعور بجدية التهديدات الماكرونية الموجهة للساسة المعنيين بتسهيل مهمة الرئيس المكلف في التشكيل، ومن ثم في ممارسة مهامه في الحكم والادارة . أو حتى يقتنع البعض ان مستجدات ما قد حصل على الساحة اللبنانية المهددة بالمجاعة والاضطراب وانفراط عقد الدولة وتحلل الكيان الذي أتم قرنه الأول في اليوم الأول من الشهر الحالي .

... ان رحلة السيد ماكرون ليست مفروشة بالورد ، ولن يكون بمقدور حاملة الطوافات الفرنسية أن تلزم أحدا من الساسة والقادة أن يغير الكثير من سلوكه السياسي . وفي المقابل لن يكون في استطاعة الرئيس الفرنسي ان يوسع البقعة الاستراتيجية اللبنانية كي تصبح منصة ملائمة لتحقيق طموحات فرنسا في المنطقة او في مناطق اخرى من العالم . حتى لو كان الرئيس الوسيم مطمئناً الى ان قسما من اللبنانيين يهمسون له أن خذنا اليك او عد الينا منتدبا مرحبا بك وبكل العطر الباريسي الفواح . والى موعد قادم في القداس السنوي الذي تقيمه بكركي على نية فرنسا الحبيبة والجميلة .

ان كل الماكياج الفرنسي المستعمل في هذه الآونة لن يخفي قبح المشهد الفرنسي الناتج عن استمرار اعتقال المناضل اللبناني جورج ابراهيم عبدالله رغم انتهاء محكوميته ، وبضغط واضح من الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني قبحهما الله.

ايمن حجازي