أيمن حجازي

وصل التحدي الى ذروته بين فرقاء الساحة اللبنانية المختلفين والمتصارعين، وكان هذه المرة بين «التيار الوطني الحر» والرئيسين نبيه بري وتمام سلام، على خلفية التعيينات اﻷمنية أو باﻷحرى التمديد لقيادات أمنية وعسكرية  كبرى. وقد بدأت هذه الحفلة من خلال التمديد للأمين العام للمجلس اﻷعلى للدفاع اللواء محمد خير، ومن المفترض أن تتوج بالتمديد سنة واحدة وأخيرة لقائد الجيش الجنرال جان قهوجي، وهو ما أثار حفيظة العونيين ودفعهم إلى التلويح بخطوات تصعيدية مقابلة.
وقد أعلن رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، مقاطعة جلسة مجلس الوزراء المفترض انعقادها يوم الخميس في 25 من آب الجاري، ولكن التيار كان يرمي الى الطعن بميثاقية الحكومة وقراراتها، معتبراً أن مجرد انعقاد الجلسة الحكومية المشار اليها يعتبر عدواناً على «التيار الوطني الحر»، ﻻ بل على المسيحيين، وفق ما أدلى به وزراء ونواب عونيون  في اﻷيام القليلة الماضية. وكان واضحاً أن الرئيس بري قد تصدر واجهة الدفاع عن انعقاد جلسة الخامس والعشرين من آب، معتبراً أن الحكومة الحالية مكتملة الميثاقية حتى مع مقاطعة وزيري «التيار الوطني الحر» لها.
وقد تناغم هذا الموقف الصادر عن رئيس المجلس النيابي مع موقف رئيس الحكومة تمام سلام، الذي أعرب عن استيائه من الضرب على الوتر الطائفي من أجل انتزاع مكاسب سياسية محدودة، في ظل أزمة خطيرة تحدق بالوطن. ويرتكز «التيار الوطني الحر» في طعنه بميثاقية الجلسة الحكومية استناداً الى غياب القوى السياسية المسيحية اﻷساسية بعد خروج حزب الكتائب وتضامن الطاشناق مع العونيين وبقاء حزب القوات اللبنانية خارج الحكومة منذ وﻻدتها. ويرد الرئيس بري وداعميه بأن الوزراء المسيحيين المستقلين بالإضافة إلى ممثل تيار المردة في الحكومة يضمنون الميثاقية المنشودة التي ﻻ يمكن احتكارها من أحزاب مسيحية أياً كان حجمها التمثيلي. 
أما حزب الله الذي ﻻ يمكن أن يساير التيار الوطني الحر في احداث فراغ سياسي حكومي فضلاً عن الفراغ اﻷمني والعسكري عبر التصلب في موضوع قيادة الجيش، فإنه أيضاً ليس في صدد ترك الحليف العوني وحيداً مستفرداً به. وبناء عليه، فإنه سيحضر جلسة الخميس مع إفساحه في المجال أمام مساع يقوم بها وزراء مسيحيون من أجل تأجيل تلك الجلسة. ويسجل في سياق العلاقة بين «التيار الوطني الحر» والثنائي الشيعي، حركة أمل و«حزب الله»، عامل سلبي برز خلال زيارة وزير خارجية مصر سامح شكري ولقائه جمعاً من السياسيين اللبنانيين. وقد تمظهر هذا العامل السلبي من خلال اشارة العماد ميشال عون وتأكيده عدم شرعية المجلس النيابي الحالي، بالإضافة إلى تجنب الوزير جبران باسيل الرد على طروحات الرئيسين ميشال سليمان وفؤاد السنيورة التي تختصر اﻷزمة اللبنانية الحالية بالسلاح غير الشرعي وبوجود دولة داخل الدولة...
 ﻻ يمكن قراءة هذه الوقائع خارج اطار التفسخ السياسي الذي يصيب الدولة والكيان والتحالفات التي ترهلت وباتت قائمة على قواعد مهتزة وعلى مضامين سياسية متضاربة بفعل تضارب المصالح التي باتت في صدد اجتياح المصالح السياسية السابقة التي ولدت على أساسها المعسكرات اللبنانية الكبرى. وهذا ما يقودنا الى القول إن الخلاف اﻵني أكبر من الجلسة الحكومية وانعقادها، وهو يطاول مباشرة الإمساك بالسلطة والتوازنات التي تحكم هذه العملية الشاقة. 
أيها السادة، ليس حتمياً أن نكون وجهاً لوجه أمام الجدار المسدود واﻻحتدام الحتمي للأزمة، بل اننا قد نكون مرشحين لمخاض آتٍ يولد حلاً ولو كان جزئياً... ألم تشاهدوا تلك الصورة الغنية بالدﻻﻻت التي كانت منذ أيام تجمع بين الرئيس فؤاد السنيورة مع  النائبين عاصم قانصوه ونواف الموسوي... كانت لوحة فنية رائعة.