أيمن حجازي

عاد نجم النائب إيلي الفرزلي إلى السطوع، لا ﻷنه أعيد انتخابه نائباً لرئيس المجلس النيابي، بل لدوره المحوري في استيلاد اﻷفكار السياسية لمعسكر الثامن من آذار الذي حقق انتصاراً بيّناً في انتخابات السادس من أيار الفائت. وقد رصدت آخر انجازاته السياسية من خلال اللقاء الذي جمع وزير الخارجية ورئيس التيار الوطني الحر (جبران باسيل) مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة منذ بضعة أيام. ويعتبر هذا اللقاء بمثابة انجاز لكل الذين سعوا إلى تحقيقه، ومن بينهم الفرزلي شخصياً، بعد أن باعدت الحسابات السياسية الموشاة بالشتائم اﻻحتفالية بين باسيل وبري، وأحدثت قطيعة بين الرجلين منذ أكثر من سبعة أشهر.
وقد هدف هذا اللقاء في حسابات الساعين إليه، ومن بينهم الفرزلي، إلى قطع الطريق على أي تفاهم مفترض بين المنتمين السابقين الى معسكر الرابع عشر من آذار (سعد الحريري ووليد جنبلاط وسمير جعجع) والرئيس نبيه بري وحركة أمل، ما قد يؤدي الى احباط اﻻنتصار اﻻنتخابي النيابي الذي حققه معسكر الثامن من آذار. والمقصود هنا أن تخوفاً كبيراً قد برز في اﻵونة اﻷخيرة من التعاطف الضمني الذي يبديه الرئيس بري مع مطلب الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بالحصول على المقاعد الدرزية الثلاثة في أي حكومة ثلاثينية مفترضة يمكن أن يشكلها الرئيس سعد الحريري، بعد أن حصد جنبلاط سبعة مقاعد درزية من أصل ثمانية هم عدد النواب الدروز في البرلمان اللبناني، فضلاً عن حياد إيجابي يظهر على مواقف بري من مطالبة حزب القوات اللبنانية بتوسيع دائرة حضور هذا الحزب الوزاري بعد أن تضاعف حجم كتلته النيابية.
والمواجهة السياسية تدور حالياً حول ميزان القوى وأحجام التمثيل في الحكومة المنوي تشكيلها، حيث من المفترض أن يخضع الرئيس سعد الحريري لنتائج اﻻنتخابات النيابية التي تترجمها اﻷطراف كل وفق رؤاه. وﻻ يخفى على أحد الدور السياسي الدائم الذي كان يلعبه النائب الفرزلي حتى من خارج الندوة النيابية، ففي فترات الإعداد للقانون اﻻنتخابي الذي أجريت على أساسه انتخابات أيار الماضي، كان للرجل اليد الطولى في اقتراح «القانون اﻻرثوذكسي» الذي دمج مع النسبية، ما أدى الى وﻻدة المخلوق العجائبي من خلال القانون اﻻنتخابي الحالي، متضمناً الصوت التفضيلي الذي أدى الى خلط اﻷوراق وإضاعة الكثير من النكهة الديموقراطية في الكثير من الدوائر اﻻنتخابية. وﻻ يقتصر دور الفرزلي السياسي على هذه المرحلة، فهو من الذين نظّروا لفتح قنوات اﻻتصال مع العماد ميشال عون في منفاه من قبل دمشق بغية مواجهة الحملات المضادة التي انطلقت اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري (في عام 2005) واشتعال أوار السعي لإخراج سورية من لبنان.
وقد نجحت مساعي الفرزلي ورفاقه في نهاية المطاف باستمالة العماد عون الذي لم يجد الحضن الدافئ لدى أطراف الرابع عشر من آذار وتوج انعطافته السياسية من خلال اعلان التفاهم مع «حزب الله» في السادس من شباط 2006 . وﻻ أظن أن الفرزلي سيخرج عن هذا السياق في المرحلة المقبلة حيث من المفترض أن يبقى حارساً أميناً على مدّ الجسور بين أيٍّ من أطراف معسكر الثامن آذار، وخصوصاً بين حركة أمل والتيار الوطني الحر.
وهكذا هي التجارب السياسية اللبنانية التي يعود من خلال احداها ايلى الفرزلي الى الندوة النيابية على صهوة الصوت التفضيلي، بعد غياب استمر ثلاثة عشر عاماً عجافاً كان خلالها الرجل مبتكراً في السياسة والقانون، وهو ابتكار اصلاحي في تقويم البعض وتعطيلي في تقويم آخرين.