أيمن حجازي

لم يعد ينطلي على أحد من اللبنانيين ادعاء الساسة الكبار أنهم يسعون إلى إجراء اﻻنتخابات النيابية في موعدها أو في غير موعدها. ذلك أن الجمع الكبير من زعماء لبنان وقادته يلتزمون التمسك بكل التناقض في مصالحهم السياسية والطائفية التي يختبئون خلفها لتحقيق مراميهيم وأهدافهم. وﻷنهم يعرفون تمام المعرفة أن كل مشاريع القوانين اﻻنتخابية التي يطرحونها ستلاقي كما من اﻻعتراضات من قبل الجهات السياسية والطائفية اﻷخرى، والتي باتت اعتراضات مشروعة باعتراف الجميع. ودعونا نتوقف عند نموذج من نماذج تضييع الوقت التي اعتمدت في اﻵونة اﻷخيرة والذي حصل في اللجنة الرباعية المؤلفة من التيار الوطني الحر وتيار المستقبل وحركة أمل و«حزب الله».
وهي لجنة غير رسمية شكلت للتوصل إلى صيغة توافقية للقانون اﻻنتخابي المرتجى الوصول إليه، وقد وصل البحث في هذه اللجنة إلى مستوى الخوض في اﻻنتخاب التأهيلي الذي تعثر عند كثير من التفاصيل فضلاً عن طبيعته الطائفية أو غير الطائفية. وفي هذا الخضم من الصعوبات الجمة يطل رئيس التيار الوطني الحر على زملائه الوزير علي حسن خليل والحاج حسين الخليل ونادر الحريري، بطرح موضوع انشاء مجلس الشيوخ وفق ما نص عليه «اتفاق الطائف». والمعروف أن البعض منذ بضعة أسابيع طرح هذا الموضوع من أجل طمأنة النائب وليد جنبلاط والطائفة الدرزية وعلى أن رئاسة هذا المجلس يجب أن تكون للدروز وفق ما ورد في مداوﻻت الطائف. ولكن وزير الخارجية جبران باسيل حمل الى اللجنة الرباعية موضوع مجلس الشيوخ مفعماً بالاشكاﻻت واﻻستفزازات المتشعبة التي تطال أكثر من طرف سياسي وطائفي. وتتصدر تلك الاستفزازات مطالبة جبران باسيل بأن يترأس مجلس الشيوخ مسيحي غير ماروني، وأن يمنح هذا المجلس قرار السلم والحرب والحق في اصدار قانون اﻻنتخاب... وكان هذا الطرح حول انشاء مجلس الشيوخ كمن يقلب الطاولة في وجه الجميع. ويدفع اﻵخرين إلى رفض التسوية المطروحة في حين يحافظ وزير الخارجية جبران باسيل على موقع الذي يقدم اقتراحات واﻵخرين يتكفلون بإسقاطها. وﻻ يخفى على أحد أن المطالبة بأن يكون رئيس مجلس الشيوخ مسيحياً يؤدي إلى استفزاز حتى حلفاء التيار الوطني الحر من الدروز مثل اﻷمير طلال ارسلان ووئام وهاب وغيرهما... أما طرح باسيل بأن يمنح مجلس الشيوخ قرار الحرب والسلم، واقرار القوانين اﻻنتخابية أمر يثير استفزاز حركة أمل و«حزب الله». وهذا ما أدى بطبيعة الحال الى إعلان الرئيس نبيه بري أنه يعارض قانون التأهيل الطائفي من أساسه.
كما أن الحديث عن قرار السلم والحرب الذي يشتم منه «حزب الله» رائحة القوات اللبنانية ومعسكر 14 أذار أدى الى استفزاز الإعلام الموالى لحزب الله الذي وجه الى باسيل تهم السعي إلى جر الرئيس ميشال عون نحو خيارات معقدة على المستوى اﻻنتخابي... ما يمكن أن يشير الى احياء توجسات «حزب الله» من التحالف العوني - القواتي الذي يرعاه حالياً الوزير جبران باسيل. ان أكثر ما يشير إلى أن ما جرى في اللجنة الرباعية حول انشاء مجلس الشيوخ يعتبر بمثابة سعي جدي نحو إحباط اﻻنتخابات النيابية برمتها هو اشتراط الوزير باسيل أن يصدر قانون انشاء مجلس الشيوخ بالتلازم مع اصدار القانون اﻻنتخابي الموعود، في عملية تعجيزية مشهودة ومميزة في تاريخ السياسة اللبنانية، وهذا ما يقود البرلمان اللبناني إلى مصير سلبي جداً... ﻻ أعرف ان كان سيصل فيه الحال الى أسوأ من التمديد الذي قد يكون شكلاً من أشكال التعطيل الكامل. فيصبح لدينا رئيساً سابقاً للمجلس النيابي ليس إﻻ... ونواب سابقون أيضاً.>