العدد 1392 / 25-12-2019

بعد أن تمنع الرئيس سعد الحريري عن العودة الى سدة الرئاسة الثالثة إلا من خلال شرط حكومة التكنوقراط ، لجأت قوى الثامن من أذار المتحالفة الى لائحة الشخصيات السنية الموصوفة بصفة التكنوقراط المشار إليها . وقد وقع الإختيار على وزير التربية في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي شُكلت في عام ٢٠١١ ، ليكون رئيسا مكلفا بتشكيل الحكومة العتيدة المقبلة . وكان إسم دياب واحدا من ثمانية وأربعين إسما من ضمن لائحة رفعها الى رئيس الجمهورية قبل بضعة أسابيع رئيسا الجامعة الأميريكية واليسوعية في بيروت بعد أن أصدرا بيانا غير معتاد لجهة إعلان هاتين الشخصيتين التربويتين عن تأييد الحراك الشعبي الذي انطلق في السابع عشر من تشرين الأول الماضي .

لم يطفأ هذا التكليف نار الإضطراب في الشارع ، لا بل إنه أضاف إليه نقمة أنصار الرئيس سعد الحريري ، الذين اعتبروا أنفسهم مضطهدين من جراء عدم إستجابة شركاء الحريري في السلطة لرغبته في تشكيل حكومة بعيدة كل البعدعن القوى السياسية الكبرى المنتشرة في المجلس النيابي الحالي . وكان الحريري يعتبر أن هذا المطلب يشكل إستجابة لتطلعات الحراك الشعبي و" الثورة " الموعودة . وبات دياب متهما بالخضوع لتحالف الثامن من أذار على طريقة خضوع الرئيس نجيب ميقاتي لهذا التحالف إثر إسقاط حكومة الرئيس الحريري الأولى في نهاية عام ٢٠١٠ . وشهدت مناطق نفوذ تيار المستقبل في الشمال والبقاع الغربي وبيروت الغربية وإقليم الخروب نزولا قويا على الأرض ، بلغ ذروته من خلال مواجهات قاسية في كورنيش المزرعة في إحدى ليالي " الثورة " المميزة التي أعادت الى الذاكرة مزيدا من مشاهد الحرب الأهلية المروعة التي اكتوت بنارها أجيال لبنانية عديدة . وبات الحوار الذي دعا اليه الرئيس المكلف مع الحراك الشعبي ، صعب المنال بعد أن تشدد الثائرون وتصلب المنتفضون وهاجت جماهير تيار المستقبل هياجا كبيرا . وكان الرئيس سعد الحريري في ذلك الأثناء يدعو محبيه الى الإنسحاب من الشارع في ظل مرونة سياسية أبداها الرجل ، وصلت الى ذروتها من خلال مشاركته الشخصية في الإستشارات النيابية التي أجرها الرئيس المكلف حسان دياب مع الكتل النيابية كافة . ولكن المواقف الحادة للرئيس سعد الحريري من تكليف دياب بدأت بالظهور من خلال إعلان كتلة نواب المستقبل عدم مشاركتها في الحكومة المقبلة ، ومن ثم من خلال نفي الحريري المشاركة في تسمية دياب خلافا لما أفاد به الأطراف الآخرون في الحكومة المستقيلة . وقد توج رئيس تيار المستقبل مواقفه السلبية من خلال الهجوم على رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي ستعتبر الحكومة القادمة حكومته وفق تقدير الحريري الذي تشاطر في هذا الرأي مع رأي رئيس تيار المردة سليمان فرنجية . وقد توجه الحريري بعدة إتهامات طالت باسيل وعهد الرئيس ميشال عون تتمحور حول الهيمنة والسيطرة على الحكومتين القادمة والمستقيلة على حد سواء .

وقد أعطى الحريري البعد الأخطر لما أثاره في موقفه المشار إليه عندما إشتكى من محاولات حلفائه السابقين في السلطة في شيطنة الطائفة السنية من خلال إتهامها بداعش ، ومن ثم من خلال محاولتهم إلصاق تهم الفساد بتيار المستقبل والطائفة السنية . ما اعتبر تصعيدا سياسيا بالغاً أضاف اليه رغبة وإرادة واضحتين بالصمود والتصدي عبر إعلانه النية عن قراره بالدفاع عن الحريرية السياسية دفاعا مريرا . علما أن الحريري لم يسبق له أن لجأ الى مصطلح الحريرية السياسية ما اعتبر لون جديد من ألوان التعبئة السياسية والشعبية الطلوبة والمتوخاة في المرحلتين الحالية والقادمة .

لقد إشتعلت أوار الحرب السياسية والشعبية بين أطراف التسوية الرئاسية المتوفاة سريريا منذ فترة زمنية غير قليلة ، خلافا لما كان البعض يظنه بإمكانية تمديد عمرها للبقاء على قيد الحياة في ما تبقى من سنوات للعهد الحالي . تغمد الله تلك التسوية الرئاسية بواسع رحمته وكتب لأقطابها التوفيق والسداد فقد كان أول ضحاياها نادر الحريري على ذمة بعض الثقاة من الرواة والحافظين لسير النبلاء والأمراء والرؤساء والوزراء...

اللهم جنبنا حروب التسويات مرة ، وجنبنا حروب سقوط التسويات ألف مرة.

ايمن حجازي