العدد 1368 / 3-7-2019

ايمن حجازي

لم تكن الجولة الأخيرة من الصراع في الجبل عادية ، بل إنها كانت عنيفة ومخضبة بالدماء من جراء سقوط قتلى وجرحى في حادثة قبرشمون التي وقعت يوم الأحد الماضي في الثلاثين من حزيران الماضي . وقد حصل ما حصل في ظل ترقب شامل للنتائج السياسية لهذه الجولة التي كان ظاهرها تجاذبا درزيا - درزيا وباطنها مواجهة عونية - جنبلاطية منفتحة على أبعاد إقليمية مشهودة . وقد وقعت هذه الجولة إثر إحتدام ساخن في الساحة السياسية على المحاور الجنبلاطية الحريرية التي التهبتعلى وقع إتهام جنبلاط للحريري بالتفريط بحقوق حلفائه وحتى بالتفريط بصلاحيات رئاسة الحكومة التي تم التعبير عنها من خلال تغريدة النائب الجنبلاطي هادي أبو الحسن المصورة التي أظهرت قبضة شديدة تدق على الطاولة ... ما يعني أن رئاسة الحكومة تفتقد هذه القبضة .

وعلى وقع زيارة وزير الخارجية جبران باسيل الى منطقة عاليه ونزول جماهير الحزب التقدمي الإشتراكي نزولا إحتجاجيا الى الشوارع في تلك المنطقة حصل الصدام الذي أدى الى مقتل إثنين من مرافقي وزير شؤون النازحين صالح الغريب . وقد أورد أنصار الأمير طلال ارسلان الحادثة في سياق محاولة إغتيال تعرض لها الوزير الغريب خلال تجواله التحضيري لإستقبال ضيفه رئيس التيار الوطني الحر ، في الوقت الذي أورد فيه مسؤولو الحزب التقدمي الإشتراكي الحادثة على أنها هجوم من قبل مرافقي الوزير الغريب على أحد التجمعات الشعبية الإحتجاجية التي نشأت في ذلك اليوم . ولكن التيار الوطني الحر شن هجوما سياسيا معاكسا من خلال مبادرة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى الدعوة لإنعقاد المجلس الأعلى للدفاع حيث جاءت القرارات الأمنية والسياسية الصادرة عن هذا المجلس موجهة بجملتها ضد رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي إستنادا الى تبني المعطيات التي قدمها الوزير جبران باسيل حول حادثة الجبل . وقد ترجمت تلك القرارات من خلال جملة ملاحقات وإعتقالات طالت مناصرين لجنبلاط في عدد من قرى الشحار حيث وقعت تلك الأحداث . ثم أتبع كل ذلك بهجوم كلامي صدر من الوزير جبران باسيل ضد وزيرة الداخلية ريا الحسن التي وجه لها باسيل تحذيرا وتنبيها واضحين بأن " انتبهي على حالك " في إشارة واضحة لعدم رضا التيار الوطني الحر ووزير الخارجية على سلوك قوى الأمن الداخلي خلال حادثة الجبل . وكان هذا التهجم الباسيلي على الوزيرة الحسن بمثابة تحرش واضح من قبل رئيس التيار الوطني الحر برئيس الحكومة الذي سعى الى النأي بالنفس عن هذه الجولة من الصراع ، ولكنه لم يفلح في ذلك .

وكانت خطوة التصعيد الأخرى التي أقدم عليها باسيل متمثلة بمقاطعة إجتماع مجلس الوزراء الذي دعا له رئيس الحكومة في السراي الكبير يوم الإثنين الماضي , عبر ترؤسه لإجتماع وزاري مواز في وزارة الخارجية في نفس موعد جلسة مجلس الوزراء ،ما أدى الى تعطيل إنعقاد الحكومة ومبادرة الرئيس سعد الحريري الى تأجيل الجلسة برمتها .

وكانت خطوات باسيل تصعيدية حاول من خلالها تأكيد حجم قوته السياسية وقوة حلفائه في مقابل التأكيد على ضعف الفريق الآخر وتراجع قوته . وهذا ما اعتبر في ترجمته السياسية مزيدا من الإخلال في التوازن الذي قيل سابقا أنه قد حفظ في التسوية الرئاسية التي ولدت في خريف ٢٠١٦ .

وهذا ما يطرح العديد من الأسئلة المبعثرة التالية :

- هل يرضى وليد جنبلاط بتدهور جديد في موقعه السياسي ؟ وإن لم يرضى فماذا يملك في مواجهة هذا التدهور غير تحريك الأرض والشارع ؟

- وإن رضي جنبلاط فهل يرضى سعد الحريري بالإخلال بالتوازن السياسي داخل بنيان السلطة اللبنانية مع ما يعنيه ذلك من إخلال بالتوازن الطائفي الدقيق ؟

- ما هو موقف باقي الأطراف السياسية من التلاعب بالتوازنات اللبنانية الكبرى ... إبتداء من الرئيس نبيه بري وحزب الله وسمير جعجع وسليمان فرنجية ونجيب ميقاتي وحزب الكتائب و ...؟

- في ضوء كل ذلك هل يصح القول أن كل ما شهدناه آنفا كان جولة من جولات الصراع التي يمكن أن نطلق عليها تسمية " جولة التوازنات المهددة " .

ثمة ملاحظة سياسية - تقنية هامة رصدت في هذا الخضم ، وهي تتمحور حول الدور الإيجابي الذي لعبه المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم من خلال التواصل المتوازي مع وليد جنبلاط وطلال ارسلان خلال ساعات المعالجة الحثيثة . وقد قيل أن هذا الدور قد امتد ليصل الى تخوم العلاقة بين الرئيس الحريري والوزير جبران باسيل, ما يكشف عن موقع كبير بات يحتله اللواء عباس ابراهيم في الخارطة السياسية اللبنانية وداخل أروقة ودهاليز الطبقة السياسية الحاكمة التي أُرغمت بمجملها على التجاوب مع كثير من المساعي التي يبذلها الرجل في كل جولة من جولات المواجهات اللبنانية المتنوعة .