أيمن حجازي

بعد أن فختت الدفوف وفرقت حروب اﻻنتخابات النيابية العشاق، انجلت الصورة السياسية عن اعادة جزئية للحياة في مفاصل معسكري الرابع عشر والثامن من آذار. بعد رصد حاﻻت غزل وانسجام ﻻفتين بين تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي اﻻشتراكي حيال العديد من القضايا السياسية، وفي طليعتها تشكيل الحكومة وتطبيع العلاقات مع الحكومة السورية. وتجدر اﻻشارة الى أن هذه القوى السياسية الثلاث هي التي كانت تشكل العمود الفقري في معسكر الرابع عشر من آذار المولود في عام 2005 اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
 في المقابل، استمر التناغم قائماً بين التيار الوطني الحر وحزب الله حيال الحرص على ضبط أحجام وأوزان بعض القوى السياسية التي يفترض أن تمثل في الحكومة المقبلة، وحيال موضوع اعادة النازحين السوريين الى بلادهم وما يليها من مواضيع متصلة بالعلاقات اللبنانية - السورية.
أما علاقات حركة أمل بالتيار الوطني الحر، فقد بقيت على حذرها الذي قد يتحول الى توتر جراء التعاطف المبطن الذي تبديه أوساط حركة أمل مع مطالبة الحزب التقدمي اﻻشتراكي بثلاثة وزراء في الحكومة المنوي تشكيلها. بالإضافة الى بروز علامات تعاطف من قبل التيار الوطني الحر مع طروحات النائب جميل السيد الذي وجه سهامه الحادة إلى الرئيس نبيه بري وحركة أمل، وقد برز هذا التعاطف من خلال مبادرة وزير العدل سليم جريصاتي المحسوب على التيار الوطني الحر الى اﻻيعاز إلى المدعي العام التميزي باعتبار ما ورد في كلام النائب جميل السيد حول قبض رشاوى من قبل أحد مسؤولي حركة أمل الكبار لإدخال ضباط الى السلكين اﻷمني والعسكري بمثابة إخبار إلى النيابة العامة التمييزية.
وقد بات محسوماً أن الملحمة الحاصلة في تشكيل الحكومة المكلف رئاستها سعد الحريري، تقوم على ميزان القوى في داخلها حيث يحرص كل فريق من فرقاء هذه الحكومة المفترضة على اﻻمساك بزمام اﻷكثرية الوزارية كي يتمكن من التحكم بمسار اﻷمور داخل هذه الحكومة.
وتميل الكفة في ميزان القوى لمصلحة «الثامن من آذار» في اﻷمور الإقليمية والسياسة الخارجية التي تلتقي عليها هذه القوى. ولكن ميزان القوى في الشؤون السياسة المحلية فإنها تختلف في حال استمرار التناقض قائماً بين حركة أمل والتيار الوطني الحر، حيث من المفترض أن يتغلب تفاهم بري - جنبلاط على العديد من القضايا المحلية المختلفة إذا شمل هذا التفاهم قوى نيابية أخرى. 
 ويعزز العودة الى فرز المعسكرات السابقة (14 و 8 آذار) ما ظهر في الشهرين اﻷخيرين من تصلب مواقف التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل في مسار التشكيل الحكومي حيال العقدتين المسيحية والدرزية، ما دفع الرئيس سعد الحريري الى التأكيد في أكثر من مناسبه أنه هو المعني بتشكيل الحكومة وليس غيره. وما يؤكد وجود هذه المعضلة هو تعذر اللقاء بين الحريري وباسيل حيث أوكل أمر التداول في التشكيل الحكومي بمندوبين عن الرجلين هما غطاس خوري والياس بوصعب ليعقدا جلسات معلنة ومغطاة إعلامياً تأكيداً من باسيل لندية اللقاء مع الحريري وصعوبة الحلحلة في العقد السياسية المطروحة وكأننا أمام حلبة تفاوض بين فرقاء متباعدين.
 لسنا أمام تشكيل حكومة ما، ولكننا أمام حياكة جديدة ﻷعراف دستورية مبتدعة ولميزان قوى جديد يختلف اختلافاً جذرياً عن موازين القوى السابقة، وحيث يقول أشهر المغردين اللبنانيين على اﻻطلاق المدعو وليد كمال جانبوﻻد (جنبلاط) إن التيار الوطني الحر قد بلع البلد... فهل تصح نبوءته أم أن الرجل يدق ناقوس الخطر وحسب؟