العدد 1352 / 6-3-2019
أيمن حجازي

على خط زلزالي محتدم , تعيش الجماعات السياسية والطائفية في لبنان تحت سقف النظام الطائفي المشوب بكثير من الفوضى وعدم الوضوح في الصلاحيات وقواعد ممارسة السلطة والحكم . وقد تدرج هذا النظام في تعقيداته المتنوعة منذ أيام الإنتداب الفرنسي الذي استنسخ لنا دستور جمهوريته الثالثة في حين أن فرنسا اليوم تعيش في ظل الجمهورية الخامسة التي ولدت مع الجنرال شارل ديغول في عام ١٩٥٨ .

في عام ١٩٩٠ حدث الانتقال اللبناني نحو دستور الطائف الذي وضع حدا للصلاحيات شبه المطلقة التي كان يتمتع بها رئيس الجمهورية ، وذلك في محاولة للخروج من الحرب الأهلية التي كانت في أحد أبعادها انعكاسا مدمرا لانعدام التوازن الداخلي الطائفي والسياسي . وقد استمرت الحالة الدستورية اللبنانية لزجة لتحتوي على تنازع ضمني على حجم الصلاحيات ومساحتها . وما حصل في مجلس الوزراء الأخير الذي انعقد في قصر بعبدا نموذج على ذلك . فعند إحتدام النقاش السياسي بين الوزراء عمد رئيس الجمهورية الى رفع الجلسة ، ما اعتبر من قبل رئيس الحكومة وأوساط سياسية عديدة تجاوزا لصلاحيات الرئاسة الثالثة , في حين إعتبرت الأوساط المسيحية المتحلقة حول الرئيس ميشال عون أن ما قام به الرئيس عون أمر بديهي كونه يترأس جلسات مجلس الوزراء عندما يحضر . وجاء رد الرئيس سعد الحريري من خلال الدعوة لعقد الجلسة التالية للحكومة في السراي الحكومي الكبير ما يعني أن الرئيس عون لن يترأس تلك الجلسة . ولكن جدول أعمال تلك الجلسة جاء خاليا من أي مواضيع خلافية ومن أي بند متعلق بالتعيينات المستحقة . ما اعتبر تعبيراﹰ واضحاﹰ من قبل الرئيس الحريري بعدم توسيع رقعة الخلاف ، وبانضباط التباينات القائمة تحت سقف تسجيل المواقف وتدوين التحفظات ليس إلا .

وتثير هذه المسألة شهيّة الداعين الى الخوض في غمار تعديلات دستورية مطلوبة ، أو توضيح بعض النصوص الملتبسة أو المختلف في تفسيرها وتأويلها منذ أمد, مع ملاحظة أن عهد الرئيس ميشال عون شهد بعض الخطوات التي لم تحصل في عهود ما بعد الطائف ، والتي اعتبرت من قبل نادي رؤساء الحكوات السابقين على أنها إبتداع لأعراف خارجة عن نصوص دستور الطائف وروحيته , في حين اعتبرت أوساط مسيحية مختلفة أن الأمر ينطوي على ترجمة سليمة للنصوص الدستورية بقوة ووضوح بعيدا عن الضعف والخور الذي تتهم بهما العهود السابقة , سواء منها التي ولدت إبان مرحلة النفوذ السوري المباشر ، أو في المرحلة التي تلت إنسحاب الجيش السوري من لبنان في ربيع عام ٢٠٠٥ .

إن ما يخفف من حدة هذا التنازع المموه هو التفاهم السياسي الحاصل بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل ، منذ انعقاد التسوية الرئاسية في خريف عام ٢٠١٦ , وهو التفاهم الذي هذب الكثير من الخلافات السياسية والدستورية التي نشبت أو كان يمكن أن تنشب بين الرئاستين الأولى والثالثة , وهذا ما يعكس توجها مشتركا عند الفريقين بالتمسك بأهداب التفاهمات التي ألحقت بالتسوية الرئاسية المشار اليها آنفا . وقد تم تأكيد هذا التمسك مؤخرا من خلال حرص الجانبين الى عدم إنجرار المستوى السياسي في تياري المستقبل والوطني الحر الى التوتر الإعلامي الذي حصل بين تلفزيون الأوتي في وتلفزيون المستقبل على خلفية الخلاف على السجال الساخن بين الرئيس فؤاد السنيورة وحزب الله المتعلق بطريقة صرف الإحدعشر مليار ليرة التي تم صرفها في عهد حكومتي الرئيس السنيورة بين عامي ٢٠٠6ه و٢٠٠٩ وفق القاعدة الإثني عشرية .

ولكن الخشية تبقى قائمة وبقوة حين يحين أوان هذه الخلافات الدستورية والميثاقية ، في ظل غياب أو زوال التفاهم السياسي الحاصل حالياﹰ , ساعتئذ أي مصير وأي مستوى من مستويات الإحتدام الطائفي والسياسي سيشهده البلد ... ؟ألم تسمعوا إشادة البطريرك الماروني بشارة الراعي وحماسته لما قام به الرئيس ميشال عون حين رفع جلسة مجلس الوزراء ؟ ألم تسمعوا تصريح سماحة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في القصر الحكومي بأن الرئيس فؤاد السنيورة خط أحمر ؟ ألم تسمعوا بما يمكن تسميته بتوازن الرعب الطائفي المتشعب ؟ فلنسمع .

ايمن حجازي