العدد 1399 / 5-2-2020

تشكلت الحكومة اللبنانية برئاسة حسان دياب بعد شهر من تكليفه ، وكانت حكومة تكنوقراط مسيسة عمدت القوى السياسية المشاركة فيها الى إختيار أشخاص مقربين منها يتمتعون بقدرات تخصصية قد يكون لها صلة أو صلات بالحقيبة الوزارية التي يحملونها . وقد واجهت هذه الحكومة على الفور إستحقاق إقرار موازنة عام ٢٠٢٠ التي أقرتها الحكومة السابقة برئاسة سعد الحريري ، في ظل محاولات حثيثة للحراك الشعبي لتعطيل الجلسة النيابية المخصصة لإقرار تلك الموازنة مع علم الجميع بأن المستجدات المالية والإقتصادية منذ ١٧ تشرين الأول الماضي قد أطاحت بالموازنة جملة وتفصيلا .

ويدور الحديث في بعض الأوساط اللبنانية عن " فرملة " موضوعية قائمة في الحراك الشعبي بعد أن تشكلت الحكومة التي ينبغي أن تُمنح فرصة ما من أجل إختبار توجهاتها والوقوف على حقيقة قدرتها على حل المعضلات القائمة في كافة المناحي السياسية والإقتصادية والمالية والأمنية . وفي ظل حديث موازٍ عن عدم وجود موقف سلبي حاسم من المجتمع الدولي والعربي حيال هذه الحكومة وأن الأمور مرهونة بجملة مواقف إختبارية يجب أن تخضع لها حكومة لبنان الحالية . وتتعلق هذه المواقف بمدى إلتصاق الموقف الرسمي اللبناني بمواقف حزب الله ومواقف المحور الإقليمي الذي يمثله . ويذهب البعض الى إعتبار أن ذلك الإختبار يطال حزب الله مباشرة حيث ينبغي أن تحدث إنكفاءة من قبل هذا الحزب من ميادين الصراع القائمة في المنطقة ولو على المستوى الإعلامي . مع ملاحظة أن الحزب في مواقفه السياسية الداخلية لا يبدو إستفزازيا على الإطلاق حيث يتم اللقاء التلقائي والتقاطع العملي مع مواقف قوى في الفريق الآخر حيال العديد من القضايا الإقتصادية والمالية والإجتماعية المزدحمة . وقد لاحظ البعض أن قواعد جماهيرية وكوادر حزبية في حزب الله كانوا ممن شارك أو تعاطف مع الحراك الشعبي في أسبوعه الأول قبل أن تسعى قوى في معسكر الرابع عشر من أذار الى العمل على تسجيل الحراك الشعبي بإسمها الخاص ... وحتى هذه الساعة أعربت القوى الرئيسية الخارجة من الحكومة والمتمثلة بتيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الإشتراكي بالإضافة الى حزب الكتائب الذي لم يكن قد تمثل في حكومة الرئيس سعد الحريري الأخيرة ، عن نيتها الإستمرار في العمل داخل المؤسسات الدستورية وعدم مغادرتها الى الشارع . وأكدت هذه القوى أنها ستشارك في جلسات الثقة دون أن تمنحها للحكومة الحالية.

وقد بدأ الحديث عن شكل المعارضة التي يمكن أن تولد داخل المؤسسات الدستورية الى جانب الحراك الشعبي الذي يفترض أن تكون تفاعلاته في الشارع اللبناني . فالزعيم الإشتراكي وليد جنبلاط يقول انه في صدد صياغة معارضة خاصة به ، وأنه لن يعود الى تحالفات سابقة . علما أنه على طريقة " وضع رجل في البور ورجل في الفلاحة " فسيد قصر المختارة متواجد في الحكومة الحالية بشكل أو بآخر من خلال وزيرة الإعلام منال عبد الصمد التي لا أحد في الحزب التقدمي الإشتراكي قد نفى العلاقة معها ولو على سبيل التعاطف الحزبي أو الزعامي في الجبل . أما تيار المستقبل فإنه سيبقى ضمنيا ساعيا الى إستعادة موقع رئيس الحكومة المسلوب منه بطريقة أو بأخرى ، وهو سيلجأ الى أساليب المعارضة الدستورية المتعارف عليها ، من دون إهمال ورقة الحراك الشعبي التي تعتبر من الأسلحة الإستراتيجية لتيار المستقبل التي تؤكد أحقيته الطائفية في الرئاسة الثالثة . ويبقى حزب القوات اللبنانية علىمعضلته المرتكزة الى انفراط عقد تفاهم معراب بعد ان وصل " حب التيار الوطني الحر الى عبه " من خلال وصول الجنرال ميشال عون الى قصر بعبدا ، ومن ثم كنت حالة إدارة ظهر جبران باسيل لما اعتبره حزب القوات وعودا تضمنها تفاهم معراب . وبات ذلك الخزب خالي الوفاض إلا من مقاعد وزارية محاصرة وغير قادرة على الفعل الحقيقي في بنيان الإدارة والسياسة اللبنانية . وقد أنعكس هذا الواقع سلبا على علاقات حزب القوات مع تيار المستقبل المتهم زعيمه سعد الحريري بالإستسلام لإرادة جبران باسيل في مسار الحكومة السابقة .

إن حكومة حسان دياب من المفترض أن تواجه معارضة دستورية في المجلس النيابي ومعارضة شارعية مقلقة في إطار الحراك الشعبي ، ومطالب مستدامة من قبل القوى المشاركة في الحكومة . وعلى رئيسها مواجهة هذه التحديات الثلاث بالإضافة الى التحدي الكبير الآخر المتمثل بإنهيار الوضع الإقتصادي والمالي المتضمن لإنهيار النظام المصرفي اللبناني الذي يبدو أنه كان من الناحية العملية وفق تقويم البعض من مبررات قيام الكيان اللبناني مع ما في هذا التقويم من مبالغة مفترضة . فماذا يعني إنهيار النظام المصرفي اللبناني بالنسبة الى وجود الكيان اللبناني الذي مضى على ولادته تسعة وتسعين عاما من الزمن ؟

ايمن حجازي