العدد 1402 / 26-2-2020

دخل الحراك الشعبي الذي انطلق في السابع عشر من تشرين الأول الماضي شهره الخامس ، وبلغت المواجهة السياسية والشعبية القائمة في البلد حجمها الأقصى ما أدى الى تغيير حكومي قيصري نتجت عنه ولادة حكومة حسان دياب التي لم تدخل فيها قوىمعسكر الرابع عشر من أذار . وتكتلت في عداد هذه الحكومة قوى معسكر الثامن من أذار التي تتشكل من التيار الوطني الحر والثنائي الشيعي وتيار المردة ومن يدور في أفلاكهم ( التيار التشاوري ، النواب الأرمن و الأمير طلال ارسلان ) . وقد أنكشف المشهد السياسي عن مأزق تاريخي دخلت فيه القوى المكونة للعهد والحكومة ، والقوى المنخرطة في الحراك الشعبي على حد سواء .

فالقوى المشاركة في الحكم تواجه أزمة إقتصادية ومالية هائلة وكبيرة ، وكذلك الأمر بالنسبة الى القوى المشاركة في الحراك التي بدت عقيمة وموزعة وغير قادرة على تحديد أهداف عقلانية بعيدة عن المبالغة . ويبقى المواطن اللبناني حائرا وقلقا على يومه وغده وعلى نفسه وعلى عائلته وعلى الأجيال القادمة . وقد تعددت مصادر الألم المادي والمعنوي لدى المواطن اللبناني ، إلا أن معضلة متفاقمة تقض مضاجعه منذ بدايات الحراك الشعبي من جراء لجوء عدد كبير من المصارف اللبنانية الى تهريب أموال المودعين لديهم الى خارج البلاد بالتزامن مع إخراج أصحاب رؤوس أموال وسياسيين كثر لأموالهم أيضا الى بنوك أوروبية معروفة . ما حرم المودعين من القدرة على تلبية إحتياجاتهم وساهم في إحداث ركود إقتصادي نتج عنه إقفال عدد كبير من المؤسسات التجارية والصناعية والزراعية من جراء فقدان السيو لة المطلوبة . ووقف الجميع أمام هذه الحالة كالأصنام فلا حديث جدي عن قيام خطوات تلزم أصحاب المصارف بإعادة أموال مودعيهم الى داخل البلاد . ولا سلطة سياسية تبحث في أمر إلزام مهربي الأموال الى أعادة هذه الأموال . ولا سلطة قضائية تسعى الى إجبار تلك الجهات المهربة للأموال الى إعادة الحقوق الى أصحابها ... وحتى في صفوف الحراك الشعبي والثورة اليتيمة من يرفع الصوت وبشكل واضح مطالبا بآلية عملية تدفع تلك الفئة المتنفذة من إنهاء جبروتها الظالم على البلاد والعباد .

كل ما شاهدناه هو تكسير لواجهات بعض البنوك ، بالإضافة الى كمٍ هائلٍ من الشتائم والسباب والإتهامات العالية النبرة بالسلب والنهب واللصوصية ضد أهل الحكم ، دون أن تولد خلية عمل واحدة قادرة على إيجاد مسار عمل قضائي محلي أو دولي يضع اللصوص الموصوفين عند حدهم . ولم نجد أحدا من العاملين في الحراك الشعبي قد وضع نصب عينيه هذا الهدف الذي قد يبدو للجهلة والغوغائيين متواضعا . وهو مسار إن تم العمل عليه فعلا فإنه يشكل عملا ثوريا ملائما لهذه المرحلة . ولكن العارفون يقولون بأن أهل الحكم لن يكونوا في في صدد القيام بهذه المهمة لأنهم في تكوينهم ليسوا بعيدين عن أرباب المصارف الذين أخرجوا أموال المودعين الى الخارج . وبالتالي فإن شراكة مفترضة تقوم بين الجانبين تحول دون أذية أحدهما للآخر .

مما يؤسف له أن هذا الكلام الآنف متأخر بعض الشيء وهو بحاجة الى من يترجمه بشكل عملي من داخل السلطة الحكومية أو من داخل السلطة الثورية التي تتهاوى وتتضمحل يوما بعد آخر ، خصوصا بعدما ظهر التصدع في صفوف الثائرين وظهرت معها الحسابات الخاصة لكل من تيار المستقبل والحزب التقدمي الإشتراكي وحزبي القوات اللبنانية والكتائب.

ايمن حجازي