العدد 1381 / 9-10-2019
أيمن حجازي

على عادة الأزمات اللبنانية المتنوعة ، مرت الأزمة النقدية أو المالية الأخيرة المرتبطة بفقدان نسبي للعملة الأميركية الخضراء من الأسواق اللبنانية ، بهدوء وروية نتيجة عدم وجود قرار خارجي بإنهيار الساحة اللبنانية أو إنفجارها . دون أن يعني ذلك أن المشكلة قد حلت بشكل جذري ، لا لقطاع المحروقات ولا بالنسبة لأسعار الطحين التي يمكن أن تفتح الباب واسعا أمام أزمة حياتية معيشية كبرى . هذا فضلا عن أزمة عمل الصرافين المتهمين بالتلاعب بسعر صرف الدولار الأميريكي ما دفع بالعاملين في هذا القطاع بحمل قضيتهم الى قصر بعبدا .

وإذا كانت القوى السياسية اللبنانية المتصارعة لا تقصر في تبادل الصفعات بين الحين والآخر ، فإنها لا تتردد في إبرام الصفقات حينما تدعو الحاجة ويحين قطف الثمار . ولا ينفي ذلك أبدا أن بعض هذه القوى يشكو من مظلومية قد تقع عليه من جراء هذه الصفقات التي غالبا ما تخضع لعمليات محاصصة مشهودة قد تكون متلفزة ومغطاة إعلاميا بشكل واضح . والحقيقة تقال أن القوى السياسية المشاركة في السلطة أو في الحكومة تساهم في نهاية المطاف بعدم إنهيار أو إنفجار الوضع اللبناني لأن ذلك يعني تداعي الهيكل وإصابة الجميع بخسارات محققة . ولا مانع أبدا أن يتم وضع هذه المساهمة في الحؤول دون إنهيار الوضع اللبناني في خانة الأريحية الوطنية التي تدفع الممسكين بالسلطة أو بالدولة أو بالحكومة ( أيا ما تكن التسمية والمصطلح ) الى القيام بتحركات دؤوبة يقرأها المواطن اللبناني على أنها دفاع عن المصلحة السياسية أو الطائفية أو الزعامية أو الحزبية ولكنها في نهاية المطاف تلبس لباس الدفاع عن الوطن .

وحتى لا ننجر الى محاكمة النوايا ، وحتى لا نمارس جلد الذات وتغليب الظن السيء عل حسن الظن ، فإننا على الدوام أمام مشاهد حيوية للقادة والساسة الكبار يتم فيها السعي لتنشيط الإقتصاد اللبناني من خلال رحلات مكوكية الى الخارج في باريس ونيويورك وكندا وأبو ظبي ومن ثم المملكة العربية السعودية . والنتيجة المفترضة إنعاش مرحلي للإقتصاد اللبناني وللمالية اللبنانية وفتح لأبواب الرعايا الخليجيين كي يستأنفوا توجههم الى وطننا الحبيب الشقيق بما يدعم السياحة اللبنانية ويشجع الإستثمارات المتنوعة في بلدنا . ولكن الحقيقة الثابتة والمتنامية منذ عام ١٩٩٢ ، تؤكد أن ديوننا تكبر وهي قد تجاوزت المئة مليار دولار وأن المستحق من الفوائد الربوية القبيحة في شهر أذار المقبل قد يصل الى أربعة مليارات دولار وأننا ما نزال في دولة خدمات لا صناعة فيها ولا زراعة محترمة وأن قدس أقداسنا هي السياحة ورمزها المبارك كازينو لبنان وشاليهات طبرجا والكلسليك وما بينهما ... أما البطالة فإلى إزدهار مضطرد ونظام الخدمات الإجتماعية مضمحل وجامعاتنا الخاصة والرسمية تتقن تخريج الباحثين عن الهجرة والأسفار وكل ما هو بعيد عن البحث العلمي الممجد في كل أنحاء العالم .

ولا حاجة في هذه العجالة للحديث عن الفساد والرشاوى لأن المشكلة الأساسية كامنة في نظامنا الإجتماعي والإقتصادي الذي يعطي الأولوية للجنة الضريبية التي يجب أن يحظى بها أصحاب رؤوس الأموال الذين يتداخلون في بنيتهم مع أهل السياسة . فإما أن السياسي يصبح بعد فترة وجيزة من توليه مهامه السياسية رأسماليا ، وإما أن الرأسمالي يصبح بعد عناء جني الأموال سياسيا من خلال توظيفه لقدراته المالية الساحرة في إحتلال المواقع السياسية المتنوعة .

أما الطائفية فإننا بغنى عن التطرق اليها لأنها تضيف الى المظالم الإجتماعية المشار اليها نوعا آخر من المظالم الناتجة عن التمييز الطائفي والمذهبي أو بلغة أخرى ناتجة عن وجود إمتيازات طائفية جائرة من جراء إنعدام التمثيل السياسي الصحيح لأطياف هذا المجتمع وما يلي ذلك من مظالم شتى ... وهاكم نتائج العديد من إمتحانات مجلس الخدمة المدنية التي صدرت وكان يفترض أن تدفع الحكومة الى إصدار مراسيم تعيين الفائزين ... ولكن التذرع بإنعدام التوازن الطائفي في هذه الفئات الدنيا من الموظفين قد حرم مئات من الفائزين المسلمين من الإلتحاق بوظائفهم نتيجة عدم وجود عدد موازٍ من الفائزين المسيحيين . وعذرا على أنني قد ختمت مقالي بهذه المظلمة الشهيرة التي تؤذي الوحدة الوطنية اللبنانية وتخربها وتسيء اليها أيما إساءة .

ايمن حجازي