العدد 1418 / 24-6-2020

جاء تمنّع رؤساء الحكومات السابقين عن المشاركة بلقاء بعبدا الذي دعا له رئيس الجمهورية ميشال عون ، كموقف قوي غير مسبوق في الحياة السياسية اللبنانية . وهوحدث سياسي يحصل في ذروة أزمات متشعبة بدأت منذ ما قبل ١٧ تشرين الأول الماضي وعبرت هذه الأزمات الأشهر الأخيرة مع جائحة الكورونا العالمية التي أتخذ لبنان فيها الإجراءات المتعارف عليها ضمن إطار منظمة الصحة العالمية . ويمكن توصيف موقف الرؤساء سعد الحريري وفؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمّام سلام ، بالعنف السياسي الذي يتخذ طابع الإنتفاضة على الوضع السياسي الحالي السائد في البلد .

وهو وضع وفق اعتبارات الرؤساء الأربعة لا يستقيم مع ميزان القوى الطائفي والمذهبي السائد في ظل غياب التمثيل الأقوى عن الموقع السني الأبرز في السلطة اللينانية . في الوقت الذي يحظى فيه الموقعان الآخران في السلطة السياسية بميزة التمثيل الأقوى من خلال وجود ميشال عون في رئاسة الجمهورية ، ووجود نبيه بري في رئاسة المجلس النيابي , وهما الموقع الماروني (رئاسة الجمهورية) والموقع الشيعي (رئاسة المجلس النيابي) .

هذا في الوجه الدستوري للأزمة ، أما في وجهها الآخر فإنها تتحرك في إطار النفوذ المتقدم لمحور المقاومة والممانعة التي تقوده إيران في المنطقة والذي يترجم غلبة سياسية لهذا المحور في لبنان . في مقابل تراجع النفوذ السعودي والخليجي في "سويسرا الشرق" الذي طالما كان للسعودية فيه اليد الطولى بالشراكة مع آخرين إقليمياً ودولياً .

قد يقول البعض أن موقف الرؤساء الأربعة الممتنع عن المشاركة في لقاء بعبدا ، يأتي وكأنه تنفيذ متأخر لمشروع الوزير السبهان في تشرين الثاني ٢٠١٧ عندما تم إستدعاء الرئيس الحريري الى العاصمة السعودية وأرغم على إعلان إستقالته . وأن بعض الرؤوس الحامية التي تدور في الفلك السعودي او تقف على يمين الرئيس سعد الحريري يريد لهذا التمنع او الإمتناع ان يشكل إنتفاضة او بداية لإنتفاضة ذات طابع مذهبي بعيدا عن الحيثيات السياسية التي زخر بها بيان الرؤساء الأربعة الذي تلاه الرئيس فؤاد السنيورة و ضمنه الكثير من بنات أفكاره السياسية والدستورية . ويجري الحديث في هذه الأثناء عن نجاح حققه الرئيس السنيورة من خلال إصدار هذا البيان الذي لم يشف غليل الدكتور رضوان السيد الجانح أكثر وأكثر نحو التطرف والتصعيد من خلال دعوته الى المواجهة الشعبية مع الحكم والحكومة وضد حزب الله وسلاح المقاومة ، ويعمد في هذا الإطار الى التنسيق مع متطرفي معسكر الرابع عشر من أذار وفي مقدمهم الدكتور فارس سعيد وصحبه .

وما قد يزيد من خطورة هذا الوضع على مستوى التماسك الوطني اللبناني هو إصرار قصر بعبدا على إنعقاد ذلك اللقاء دون إلتفات الى الثغرة الميثاقية الكبرى التي عادة ما يحذر منها الرئيس نبيه بري والتي تترتب على غياب الرئيس سعد الحريري ورفاقه الرؤساء الثلاثة . ويأتي هذا الإصرار مترافقاً مع القول بأن الرئيس حسان دياب يؤمن الميثاقية ويمثل كل اللبنانيين . ويعتبر الفريق الآخر أن التسليم بهذه المقولة لو صحت فلا حاجة تبقى لوجود آخرين في مثل ذلك اللقاء . وقد عمدت أوساط قصر بعبدا في إطار التوهين من موقف الرؤساء الأربعة ، الى القول بأن القول بعدم وجود جدول أعمال لللقاء قصر بعبدا ذريعة لا يعتد بها حيث كان هذا اللقاء مخصصا لتلافي التداعيات السلبية التي ترتبت على ما حصل في الشارع يوم السادس من حزيران الماضي وما تلاه من حملات تحطيم وتكسير في وسط بيروت . وهذا شان وطني يستدعي إلتئام الصف الوطني بمجمله دون حاجة الى حسابات الربح والخسارة ، ويرد الفريق الآخر من خلال القول بأن ما حصل في السادس من حزيران أمر يتطلب إجراءات أمنية منوطة بالحكومة وبمجلس الدفاع الأعلى ولا يليق بزعامات الوطن وما تمثل أن تُدعى الى لقاء لا جدول أعمال معلن له.

الحسرة قد تكون كبيرة جراء عدم انعقاد لقاء وطني جامع لمعالجة أزمات الوطن المتكاثرة ، ولكن الحسرة الأكبر تتمثل في انحسار الحدود الدنيا للمشتركات السياسية الكبرى في هذا الوطن . إنها حالة من حالات الترنح ، التي تشمل الاواصر الوطنية والميثاقية والإحساس المشترك بالآلام والآمال .

ايمن حجازي