العدد 1332 / 10-10-2018
أيمن حجازي

ايمن حجازي

على عادة اللبنانيين في استدراج التدخلات الخارجية في معظم قضاياهم السياسية الملحة ، يجري الحديث عن دور فرنسي يدفع باتجاه حلحلة الأمور وتذليل العقبات من أمام تشكيل حكومة العهد الثانية , التي كُلف الرئيس سعد الحريري بتشكيلها اثر, انتهاء الانتخابات النيابية في شهر أيار الماضي .

ويرصد المراقبون اللقاء المرتقب بين الرئيسين اللبناني ميشال عون والفرنسي مانويل ماكرون في العاصمة الأرمينية يريفان على هامش القمة الفرنكوفونية ، بغية تحديد مدى فعالية الدور الفرنسي المرتقب في تسهيل عملية الولادة الحكومية المتعسرة .

الا أن واقع الحال يوحي بأن أي تدخل أو مسعى خارجي في القضايا اللبنانية لم يعد ممكناﹰ له أن يتم , بالطريقة السابقة التي تسيء الى الطاقم السياسي اللبناني الحاكم أو المشارك في الحكم . وحيث ينبغي أن يكون هذا التدخل المفترض مهذباﹰ أو مموها , خصوصا في ظل الشعارات والطروحات التي تبناها الكثيرون من أهل السلطة التي تتحدث عن الاستقلال والسيادة والحرية وعن ادانة كل أشكال الوصاية والتبعية التي كانت سائدة ومزدهرة في الساحة اللبنانية منذ الاستقلال المعلن عام ١٩٤٣. وبناء عليه فان الكثير من المراقبين يعتقدون أن الدور الفرنسي يحيا ويتحرك في لبنان منذ أمد ، وتحديدا منذ حصول أزمة احتجاز الرئيس سعد الحريري في تشرين الثاني الماضي في المملكة العربية السعودية والتدخل الفاعل والحاسم الذي قام به الرئيس الفرنسي ماكرون من أجل الافراج عنه واعادته الى موقعه اللبناني الفاعل . ويجمع المراقبون أن مؤتمر سيدر الذي عقد برعاية فرنسية قبيل الانتخابات النيابية الأخيرة ، شكل دعما قويا للرئيس سعد الحريري لا تزال مفاعيله حاضرة حتى هذه اللحظة . وكان هذا الدعم قد تمظهر في بعد محلي يربط ما بين تسهيل مهمة الحريري السياسية وبين تأمين الدعم المالي للبنان بما يفوق الاحد عشر مليار دولار كقروض ومنح ميسرة ، ما يجعل من الرئيس الحريري ووجوده على رأس الحكومة اللبنانية فرصة هامة لاستحضار هذا الدعم الحاسم لاقتصاد البلد الذي يحتاج الى من يعالج أزماته المتعددة . أما البعد الاقليمي الواضح لهذا الدعم فقد تم تظهيره من خلال تأمين الغطاء الدولي الأوروبي والأميريكي لمواجهة حالة الجنوح الزائد في الموقف السعودي حيال الوضع اللبناني والذي لم يتناغم معه الرئيس الحريري ما أدى الى احتجازه الشهير في الرياض في خريف العام الماضي . واستمرت هذه المظلة الدولية حاضرة لتحميه في ذلك الجنوح الذي كان يمكن له أن يتجدد مع كل تطور سلبي طارىء في الأزمة اليمنية أو في غيرها من أزمات المنطقة الملتهبة . لذلك بقي البلد في منأى عن كل حملات التصعيد الرائجة في العلاقات الايرانية - السعودية المحتدمة .

ويبدو أن الشكل الحالي للتدخل الفرنسي في الوضع اللبناني يقتصر على التنبيه من مغبة التأخر في تشكيل الحكومة المرتقبة , خشية التخريب على المنجزات والمكتسبات التي قيل ان لبنان قدحققها في مؤتمر سيدر, وهذا ما يفترض أن يكرره الرئيس الفرنسي ماكرون في يريفان على مسامع الرئيس ميشال عون

لكن هل بامكان الوساطة الفرنسية ان وجدت أن تدخل في حلحلة تفاصيل العقد الحكومية الدرزية والمسيحية والسنية و... ؟

من الناحية العملية والتقنية يصعب ذلك ، لأن الأمر يحتاج الى عبقرية مميزة في فهم الأزمات اللبنانية بكل تشعباتها الطائفية والمذهبية المعقدة , والتي يمكن أن ترهق الوسطاء الأجانب مهما كانوا عباقرة ... ولكن الممكن في هذا المجال أن تتأمن أشكال معينة من الدعم المباشر وغير المباشر لمواقع سياسية لبنانية تقوم بدور الوساطة الدائمة بين الأطراف المختلفين في معضلة تشكيل الحكومة الموعودة . وتنحصر هذه المواقع برئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي يبذل جهودا واضحة من أجل تسهيل الولادة الحكومية الميمونة . ويمكن أن في هذا الاطار العودة بالذاكرة الى عام ١٩٧٦ حين زار لبنان الموفد الأميركي دين بروان وجال على القادة والساسة ورجال الدين المسلمين والمسيحيين , ولم تستطع عبقريته أن تتحمل ما لاقاه من تعقيدات بين القادة اللبنانيين , فعمد الى وصفهم في نهاية المطاف ﺑ "الأبالسة " .