العدد 1432 / 14-10-2020

قبل أسبوع من موعد اﻹستشارات النيابية الملزمة ، بادر الرئيس سعد الدين الحريري الى إعلان نفسه مرشحا طبيعيا لترؤس الحكومة اللبنانية القادمة، بعد أن كان ملتزما موقف التمنع عن خوض هذا الغمار الذي تحمس له رئيس المجلس النيابي نبيه بري ونائبه ايلي الفرزلي . وقد جاء إعلان الحريري المتلفز مشوبا بغضب ظاهر وبتباينات متشعبة مع الحلفاء والخصوم على حد سواء . وما كاد لإعلان الحريري يضع أوزاره حتى جاءت ردود الفعل المباشرة من قبل الحزب التقدمي الإشتراكي وحزب القوات اللبنانية تعكس حالة سلبية في علاقات تلك الأطراف التي كانت تشكل في الماضي القريب تحالف الرابع عشر من آذار .

ثم تتالت ردود الفعل التي جددها وليد جنبلاط من خلال لقاء تلفزيوني مزدحم تم التطرق فيه الى مسائل شتى طالت في بعض جوانبها التاريخية حزب الله ، ولكنها تركزت على غضب مواز للغضب الحريري، من اعتبار الدروز أقلية لا تليق بهم وزارة الصحة ( على سبيل المثال ) ، وتضمن ذلك اللقاء التلفزيوني أيضا عتبا حادا على سعد الحريري " الذي كلف نفسه " ولم يبادر الى اﻹتصال المباشر به للتباحث بشأن صياغة مشروع وأطروحة " المرشح الطبيعي " الذي صار وصفا مرحليا لسعد الحريري ودوره السياسي اﻵني . وفي حين التزم ثنائي أمل - حزب الله الصمت الحذر ، جرد رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل سيفه البتار في الذكرى الثلاثين ﻹخراج الجنرال ميشال عون من قصر بعبدا ، وشرع يضرب يمنة ويسرة موجها رأس مهنده الى فرس الرئيس الحريري الذي عين نفسه " مفوضا ساميا فرنسيا ومكلفا بإجراء فحوصات اﻹلتزام ببنود المبادرة الفرنسية " ... ومكراا مواقفه السابقة التي تؤكد على أن الذي يرغب أن يترأس حكومة اختصاصيين عليه أن يكون أولا هو اختصاصي . أما حزب القوات اللبنانية ورئيسه سمير جعجع فإنه ما زال على اعتقاده بأن مجيء الحريري الى سدة الرئاسة الثالثة في هذه المرحلة تعني أمرا واحدا ألا وهو تأمين غطاء لبناني متين لحزب الله الذي يتعرض لهجمة أميركية يعد جعجع نفسه من خلالها بإضعاف هذا الحزب والتخلص من "قوته" الجامحة "على الساحة اللبنانية، وهذا ما بين أن طريق عودة سعد الحريري الى السراي الكبير ليست معدة ولم تفرش بالزهور .

ولكن المثير لﻹستغراب كان مسارعة الحريري الى ترشيح نفسه ، بدلا من أن ينتظر فرقاء آخرين كالذين وعدوه بلبن العصفور على سبيل المثال لا الحصر . وذلك كي يتجنب تبعات ترشيح نفسه ، ما يدفع الآخرين الى التريث والحديث عن شروط لم تكن لتوجد لولا ظهور حرصه وسعيه الحثيث للعودة الى سدة الرئاسة الثالثة وذلك على قاعدة العرض والطلب الراسخة في النظام الرأسمالي البائس .

ثمة من يقول في هذا اﻹطار ان الحريري بادر الى اعتبار نفسه مرشحا طبيعيا تحت وطأة الخشية من طرح الرئيس نجيب ميقاتي بتشكيل حكومة عشرينية تضم ستة سياسيين كوزراء دولة وأربعة عشر وزير تكنوقراط . وكان من الطبيعي أيضا أن تكون هذه الحكومة المفترضة برئاسة الميقاتي وبعيدا عن الحريري الذي ما كاد ينتهي من عملية التخلص من مصطفى أديب عبد الواحد الذي شكل رهانا فرنسيا لم يكن الرئيس الحريري في وارد المجاهرة برفضه . وهذه معطيات قد تكون مستغربة لدى البعض ، ولكن التدقيق في الوقائع قد يؤكد صحة ما قد سلف .