العدد 1359 / 24-4-2019
أيمن حجازي

في حمأة القلق الشعبي الذي اجتاح قطاعات واسعة من الموظفين المدنيين والعسكريين جراء الحديث عن اقتطاع مبالغ من رواتبهم وتعويضاتهم وفق ما هو مطروح في موازنة العام الحالي ، حصل خرق واضح للهدوء السائد بين الرئاستين الأولى والثالثة ... وذلك عندما أعرب رئيس الجمهورية ميشال عون من بكركي وصبيحة عيد الفصح عن امتعاضه من التأخر في إقرار موازنة العام الحالي ، غامزا من قناة رئيس الحكومة سعد الدين الحريري ووزير المالية علي حسن خليل . وذلك على الرغم من نفي قصر بعبدا أن يكون المقصود من كلام رئيس الجمهورية ايّ من الرئيس الحريري أو الوزير خليل . إثر ذلك أعربت بعض الأوساط عن خشيتها من مضاعفات الكلام الذي صدر في بكركي عن العلاقات الرئاسية الهادئة حاليا ، ولكن هذه الخشية لم تتحقق ومر الأمر حتى هذه الساعة بهدوء كرسه الرئيس الحريري من خلال عدم الإنجرار الى أي سجال رئاسي مفترض .

في هذا الوقت بدأت تتظهر أكثر وأكثر , وتتضح النوايا المتعلقة بسلامة الرواتب والتعويضات ، حيث تبين أن هناك نيّة لتجميد نسبة مئوية منها قيل أنها خمس عشرة بالمئة ولمدة ثلاث سنوات . و "التجميد" هنا تسمية ملطفة للفظة الإقتطاع المخيفة أو المرعبة التي تستفز الناس المعنيين بشكل أكبر , على أن يطال هذا التجميد أصحاب الرواتب التي تتجاوز المليون ونصف من الليرات اللبنانية ، وذلك استجابة لبعض القوى المشاركة في الحكومة التي أعلنت معارضتها لأي تخفيض للرواتب ما دون المليون ونصف المليون ليرة . وقد أسندت بدعة " التجميد " المشار اليها الى رئيس الحكومة سعد الحريري الذي سعى الى تلبية مطالب بعض الدول المانحة والمشاركة بمؤتمر سيدر دون أن يعني ذلك أن الأطراف الحكومية الأخرى بريئة من صياغة هذه البدعة المستحدثة .

ويعتقد البعض أن هذا " التجميد " ان حصل فانه يمثل شكلاﹰ من أشكال الإستدانة التي قد تلجأ اليها الدولة هذه المرة من موظفيها الكرام ، على غرار ما حصل في ربع القرن الأخير عندما كانت الدولة تستدين من شبكة المصارف والبنوك اللبنانية مع فارق " بسيط " لا بد من الإشارة اليه ألا وهو النسبة العالية من الفوائد التي كانت تلك المصارف تتقاضاها بكل جشع بعيدا عن أي حس وطني يدفع مالكي هذه المصارف الى المساهمة الإيجابية في تلبية إحتياجات الإقتصاد الوطني . ولا ينبغي أن يغيب عن بال أحد ، أن المالكين الكرام لهذه المصارف ينتمون في معظمهم الى الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان . وهنا بدت المقارنة واضحة وهي تنطق بأن الإستدانة من البنوك باهظة الثمن من خلال الفوائد المرتفعة والشاهقة التي حصدتها تلك البنوك من الشعب اللبناني على امتداد ربع قرن من الزمن ، وذلك في مقابل استدانة من الموظفين مجانية ولن تدفع حيالها أيّ من الفوائد المالية على سنوات ثلاثة قد تتمدد أكثر وأكثر . والخلاصة السياسية التي يمكن استخراجها من هذه الوقائع تقول بأننا قد نكون أمام دولة كامنة محمية من سلطة فعلية منتشرة وبقوة عبر الحكومة والمجلس النيابي وبعض المؤسسات الأخرى تشكل خطا دفاعيا حصينا عن المرابين الكبار الذين يحكمون البلد .

هل تمر "مغامرة " تجميد أجزاء من الرواتب أو إقتطاعها أم أنها ستسقط تحت وطأة الخشية عن رمال الشارع المتحركة ؟

وهل تستمر العلاقات الرئاسية هادئة أم أنها ستكون معرضة لاهتزازات واختبارات شتى تحت وطأة الإستحقاقات المتنوعة التي تواجه الوطن على كافة المستويات الداخلية والخارجية ؟

ايمن حجازي