أيمن حجازي

كان بعض اللبنانيين -كعادتهم في كل فترة من الزمن- ينتظرون المفاجآت التي تعترضهم قبيل كل استحقاق من الاستحقاقات المرتقبة، وقد جاءت المفاجأة هذه المرة من العاصمة السعودية الرياض التي زارها الرئيس سعد الحريري رئيساً للحكومة وبقي فيها (حتى هذه اللحظة) رئيساً مستقيلاً استقالة صاخبة ومدوية أربكت الجميع وأرهقت الساحة السياسية اللبنانية بمفاعيلها المتشعبة. وإذا كان الموقع السياسي للرئيس الحريري في رئاسة الحكومة اللبنانية أو في خارجها، على صلة وثيقة بالسياسة السعودية في المنطقة، فإن التطورات الأخيرة ربطت هذا الموقع السياسي بالمعادلة السياسية الداخلية للمملكة، حيث اتضح للعيان أن ما كان في جزء منه على صلة بالإجراءات المتخذة في الداخل السعودي بحق العديد من الشخصيات العامة من داخل العائلة المالكة ومن خارجها. 
وأياً تكن التحليلات التي تبحث في توصيف ما حصل في الأسبوع الأخير، فإن الرئيس سعد الحريري بات أسير ما تلا في بيان الاستقالة، حتى ولو كان غير راغب في هذا الخيار السياسي التصعيدي الذي يعاكس كل ما أعلنه من توجهات سابقة طوال المرحلة المنصرمة. وقد وصل الأمر ببعض المراقبين الى القول بأن رزمة الأهداف السياسية للاستقالة المفروضة تتضمن حرمان الحريري رئاسة الحكومة، كإجراء عقابي متصل بالتطورات الداخلية السعودية، من غير أن نتجاهل الدوافع السياسية الإقليمية للحدث اللبناني المدوي.
ويكثر الحديث في هذه الآونة عن تطورات دراماتيكية ذات طابع عسكري في عموم المنطقة الممتدة من اليمن والسعودية إلى العراق وسوريا ولبنان وفلسطين، ويرسم البعض سيناريوهات عديدة تصل إلى مواجهات إقليمية وربما مواجهات دولية، ما ينزع أي طابع محلي عن استقالة الرئيس سعد الحريري، ويجعلها في عين العاصفة التي يتوقعها البعض، كي تصبح المعالجات المحلية للوضع القائم غير ذي بال ويفسح في المجال أمام خيارات محلية تتخذ طابع المواكبة فقط للتطورات الكبرى في المنطقة. ويتوقف بعض المراقبين عند زيارة وفد السفارة السعودية لدار الفتوى واجتماعه إلى مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان لخمس عشرة دقيقة فقط، ما أوحى أن الوفد جاء يبلغ المفتي أمراً ما بعيداً عن أي تداول أو نقاش كان يمكن أن يبدو بين الجانبين، ما يجعل السؤال الكبير عن استقالة الرئيس الحريري أنه حدث محلي أم حدث إقليمي؟
قد يفيد التريث والصبر والروية، لكن في النهاية يجب أن تتخذ اجراءات مطلوبة سياسياً ودستورياً، وهي لا بدّ حاصلة، في حال اضطرار الرئيس الحريري إلى البقاء، مصراً على موقفه... ولا شيء يوحي أن بإمكانه العودة عن هذا الموقف. ولا بد أن ندخل في تعقيدات جديدة إذا وصلنا في الحسابات السياسية إلى أن الحريري سيكون ممتنعاً عن ترؤس أي حكومة مزمع تشكيلها... أو ممتنع حتى عن المشاركة (من خلال كتلته النيابية الوازنة) في أي حكومة يمكن أن تشكل برئاسة غيره من المرشحين لتولي منصب الرئاسة الثالثة.
الثابت حالياً أن الحريري لم يكتب له حتى هذه اللحظة أن يرأس حكومة لأكثر من عام من الزمن، فأعمار الحكومات بيد الله.