العدد 1687 /29-10-2025

على عادتهم المعهودة ، استمر جمع من القوى السياسية اللبنانية في التهويل على الشعب اللبناني وعلى المقاومة اللبنانية من أجل إشاعة أجواء الحرب الإسرائيلية المفترضة المرتكزة الى عدم إلقاء هذه المقاومة لسلاحها . وهم شتات سياسي من يمين مسيحي خاض بعضه تجارب مريرة من التعامل مع الإحتلال الصهيوني في صيف ١٩٨٢ ، ومن وجوه مبعثرة قادمة من معسكر الرابع عشر من أذار ، يضاف اليهم مجمومة جامحين ساعين لتحريض أنظمة الخليج على المقاومة اللبنانية وتعميق الشرخ معها.

وعلى الضفة الأخرى من الجريمة الأميريكية - الصهيونية يقف رئيس الولايات المتحدة الأميريكية الذي يرشح نفسه لجائزة نوبل للسلام ، فيعتبر أن سبعين شهيدا فلسطينيا في غزة لا يهددون اتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته واشنطن . وان نتن ياهو يحق له الإنتقام لجرح جندي صهيوني في رفح فيقتل عشرات الأشخاص المدنيين في تلك الرقعة المدمرة من العالم . وهكذا تتبلد مشاعر هذا الفريق السياسي من اللبنانيين القارعين طبول الحرب على الجبهة اللبنانية في عملية استباق حمقاء لوصول الموفدين الأميريكين والعرب الى بيروت . في حين تبدو أورتاغوس بكل مفاتنها المدنسة ساعية وبكل جد الى جر الدولة اللبنانية الى تفاوض مباشر مع العدو الصهيوني أكثر منها حاملة للتهديد والوعيد اللذين يرغب بهما ذلك الفريق اللبناني الحاقد على المقاومة اللبنانية وعلى المقاومة الفلسطينية .

كان اليمين اللبناني في القرن الماضي يدعو الى عدم ارتباط لبنان بالسياسات العربية التي لم تكن قد تورطت باتفاقات تصالح مع الدولة الصهيونية . وكان هذا اليمين يدعو الى التزام تلك السياسة تحت ذريعة تحرير لبنان من أعباء المواجهة مع العدوان الصهيوني ، ولكن الواقع الحالي الذي يزدهر فيه التنسيق بين معظم الأنظمة العربية والكيان الغاصب فقد باتت الدعوة الى إرتماء لبنان في الأحضان العربية الرسمية مزدهرة . وبات حزب الكتائب ( عدو العروبة التاريخي ) وأقرانه من أحزاب اليمين اللبناني من دعاة الخيار العربي الذي يجب أن يواجه الخيار المقاوم المدعوم من إيران وحلفائها الإقليميين أو ممن تبقى منهم . وإستنادا الى هذه الحقيقة السياسية باتت هذه القوى اللبنانية مدللة في الرياض وجدة والقاهرة وغيرها من عواصم القرار الرسمي العربي الشاهد على مذبحة غزة التاريخية . وبتنا في لبنان نشهد تسابقا سعوديا - مصريا على معالجة الوضع اللبناني ومواكبة الحركة الأميركية وتأمين الخدمات اللازمة لهذه الحركة . وإذا كان السعوديون قد نزلوا بالأمير يزيد بن فرحان فإن المصريون قد اقتحموا الساحة برئيس المخابرات المصرية الذي يحتل مكانة فاعلة لدى الإدارة الأميريكية على عادة رؤساء المخابرات العربية في ما هو معتاد ورائج . ويحمل ضيفنا المصري الى قصر بعبدا تجربة رائدة من تجارب العمل الديبلوماسي الأمني الذي ساهم في التوصل الى إتفاق غزة الأخير . وهو يضع هذا الرصيد السياسي المخابراتي في خدمة التسوية اللبنانية - الإسرائيلية المنشودة والتي يتطلع اليها انصار كازينو لبنان او لبنان الكازينو . وهم أنصار كثر في عالمنا العربي ، حيث ينحصر دور وطننا اللبناني الى ملهى يرتاده الأمراء والحكام العرب خصوصا في المراحل السابقة التي كانوا يستصعبون ارتياد الملاهي الأوروبية والأميركية الفاجرة .

على تخوم فلسطين ، ضفتين متناغمتين للجريمة الصهيونية - الأميريكية وكلتاهما مخضبتان بالدماء ، إحداهما متعاظمة في غزة الذبيحة والأخرى في لبنان الجريح النازف . وقد نطق بالأمس فرعون الكوكب الأرضي دونالد ترامب وأقر بحق بني إسرائيل بالإنتقام من شعوبنا المسحوقة إن تعرض بعض جنودهم الى جروح طفيفة أو قتل أحدهم على يد مقاوم مكلوم . إنه طغيان صليبي مميز لم يشهد التاريخ مثيلا له ...

أيمن حجازي