صلاح الدين الجورشي

رغم توقع خصومه بأنه سيمنى بهزيمة قاسية، إلا أن حزب العدالة والتنمية نجح في أن يحافظ على موقعه الأول في الانتخابات البرلمانية التي نظمت مؤخراً بالمغرب، وهكذا صدق حدس أمينه العام بن كيران الذي صرح بأن الحزب سيفوز في هذه الانتخابات، وتعهد أنه إذا فشل حزبه فإنه سيعتزل السياسة ويلزم بيته، في تحدٍّ منه لمنافسيه الذين دخلوا في معركة كسر عظم مع الإسلاميين.
يبدو أن حظوظ الاسلاميين في عموم دول المغرب العربي أفضل من إخوانهم بدول المشرق، إذ باستثناء الجزائر التي تراجع فيها وزن مختلف الفصائل ذات المرجعية الإسلامية بما في ذلك حركة مجتمع السلم، تمكن البقية من الاحتفاظ بمكانة متقدمة في كل من تونس والمغرب وموريتانيا، وأيضاً في ليبيا، التي وإن انهارت تجربتها السياسية بسرعة، فقد بقي «الإخوان» يمثلون قوة سياسية وعسكرية لا يستهان بها في الغرب الليبي وخاصة في كل من طرابلس ومصراتة.
لا يعني ذلك أن الإسلاميين بمنطقة المغرب العربي يملكون حلولاً جاهزة، فهم يتخبطون مثل غيرهم في المطبات الاقتصادية والاجتماعية، حيث لا تزال خبراتهم في مجال إدارة شؤون الدولة محدودة. 
واذا أخذنا مثالاً على ذلك حالة المغرب، وتساءلنا عن الأسباب التي من شأنها أن تساعد على فهم نجاح الإسلاميين وتمكنهم من البقاء في مقدمة الأحزاب، وهو ما سيجعلهم يستمرون في الحكم رغم الفتور الذي طرأ على علاقة قيادة حزب العدالة والتنمية بالملك أو بالمؤسسة الملكية، وقد تعوّد الساسة المغاربة على الاعتقاد بأن من يثير تحفظات الملك تكون حظوظه في العودة إلى الحكومة محدودة ومشكوك فيها.
إذا كان وضع الإسلاميين في المنطقة ضعيفاً وأحياناً مرتبكًا فإن التجارب والوقائع كشفت خلال السنوات الأخيرة أن أوضاع خصومهم ليست أفضل، إن لم تكن أسوأ. اتضح ذلك في مختلف التجارب السياسية التي تمت في العالم العربي خلال ما سمي بـ«الربيع العربي»، ففي المغرب الأقصى انهار اليسار بشكل يكاد يكون كاملاً، حيث لم يتمكن الاتحاد الاشتراكي أن يستعيد عافيته ومجده، وإنما استفحلت أوضاعه وازدادت انقساماته ولم يعد رقماً قوياً يقرأ له حساب في الساحة السياسية. أما حزب الاستقلال رغم تاريخه الطويل فقد تراجع وزنه أيضاً، حيث حصل هذه المرة على المرتبة الثالثة، واتسع الفارق بينه وبين حزب العدالة والتنمية ليصل إلى قرابة الخمسين مقعداً في البرلمان الجديد.
أما في تونس فنتائج الحكومات التي توالت بعد حكومة الترويكا بقيادة حركة النهضة لم تسجل نسباً أفضل، وجاءت قيادة حزب «نداء تونس» لتزيد من نسبة تدهور نسب النمو بشكل مثير للمخاوف، رغم أن هذا الحزب يضم عدداً لا بأس به من الكوادر الحديثة والمطلعة على تجارب العالم في الاقتصاد وغير ذلك من المجالات الحيوية التي ترتكز عليها الدول، أما ما سمي جزافاً بالتيار الليبرالي في ليبيا، فهو بدوره لم يتمكن أن يصمد طويلاً، حيث انهار بسرعة تاركاً البلد في حالة عجز كامل عن بناء الحد الأدنى من مقومات الدولة.
هذا يعني أن عموم الإسلاميين، وإن كانوا يتحملون قدراً لا بأس به من مسؤولية المأزق العام الذي تمر به البلدان التي شاركوا في حكمها خاصة خلال السنوات الأخيرة، الا أنه سيكون من المغالطة القول بكونهم وحدهم سبب كل البلاء، وأنهم يتحملون بمفردهم أعباء المرحلة الراهنة. فقول مثل هذا لا يصدر إلا عن خصوم يريدون تحويل الإسلاميين إلى شماعة يحمّلونها الوزر بكامله، حتى يفروا من المحاسبة ويزعموا بأنهم الأقدر على قيادة المرحلة القادمة بشرط التخلص من الإسلاميين، أو يمكن أن يصدر هذا التبرير من أشخاص غير موضوعيين لا يملكون كل المعطيات.
ومما يؤكد أن وضع جزء من الإسلاميين يبدو حالياً أفضل من غيرهم في معظم دول المغرب العربي، امتلاكهم لقاعدة اجتماعية واسعة لا تزال تثق بهم رغم تعثر أدائهم في كثير من الأحيان، وهذا يعني أن جزءاً هاماً من الجمهور يعتقد بأن الإسلاميين يبقون الأقل سوءاً، انطلاقاً من كونهم لم يتورّطوا إلى الآن في قضايا فساد بعد وصولهم إلى الحكم، ولهذا هناك رغبة مؤثرة في السلوك الانتخابي لدى أجزاء مهمة من الناخبين في هذه البلدان ومن بينها المغرب في أن تعطى لهؤلاء فرصة جديدة عساهم يراجعون أداءهم السياسي، لأن رصيد الثقة يمكن أن يتآكل عبر الزمن بسبب عدم الاستفادة من الأخطاء الكبيرة.