عبد القادر الأسمر

لم تشهد الساحة اللبنانية مثل هذا الركود الذي اتسم به الشعب اللبناني ومثل هذا الشلل في الجانب المطلبي ومثل هذا الخواء الذي يسيطر على الأجواء العامة خلافاً لما كانت عليه الساحة السياسية بتأجيج المطالب المحقة، ما دفع المراقبين إلى أن يتساءلوا عما آل إليه حال هذا الشعب وهي المستجدات التي تعصف بالوطن دون أي تحرّك أو ثورة على من يمثّله وهم يمنّنونه بأنهم يعملون لمصلحته وقد كذبوا بكل وقاحة وتجاهل للمطالب المحقة دون أن يخشوا أي تحرك فعال يهدّد مصيرهم لأنهم مطمئنون إلى أن هذا الشعب اللبناني صامت كما لم نعهده من قبل. وطُرحت أسئلة عن سبب هذا الصمت والخضوع لبضعة سياسيين يتبادلون الأدوار ويستغلون المشاعر الطائفية ويوهمون الشعب بأنهم الأمناء على مصالح الطوائف الأمر الذي صدّقه معظم اللبنانيين الذين سلّموا رقابهم لحفنة من متاجرين بآلام الشعب الخانع الذي يعلم حقائق الأمر، ولا يقدم على أي مبادرة ترفع عنه الضغوطات المختلفة التي أصابته في وضعه الاقتصادي والاجتماعي ولم نسمع عن أي تحرّك فعال يستردّ الكرامة والعنفوان اللذين لطالما امتاز بهم اللبناني عن سائر الشعوب المغلوب على أمرها.
إن الساسة وقادة الأحزاب منشغلون بالاهتمام بقانون جديد للانتخابات لن يبصر النور لأن كل فئة أو حزب أو كتلة نيابية ترى في هذا القانون العتيد محاولة أخيرة لفرض الوجود السياسي بقانون مفصّل على مقاس كل طائفة دون أن يتنازلوا عن اهتماماتهم الشخصية ومصالحهم الخاصة الّتي يؤمنها لهم القانون المفصّل على مقاسهم. وكم عُقدت لجان واجتماعات لم تسفر عن الخروج بأي قانون سواء على مبدأ النسبية في كافة أنواعها، والمختلط الذي يدوّخ الناخب الذي لم يستوعبه وهو يرى أنّ فئة من السياسيين تؤيده وتعمل على تمريره رغم رفض معظم الساسة له.
أليس هذا القانون المزعوم ملهاة للسياسيين الذين استمرأوا هذا التنافر وكادوا يتجاهلون «سلسلة الرتب والرواتب» وما يحكى عن آمالها بصرف النظر عنها تحت ذريعة عدم القدرة على تمريرها كما يندّد الاقتصاديون ورجال الاعمال والمصارف بأي تدخّل في ثرواتهم في حين أنّ الهدر والسرقات والسمسرة على المناقصات المختلفة كفيل بتوفير غطاء لهذه السلسلة بكل سهولة لكنّ أخطبوط المال كفيل بأن يوفّر للمعلّمين وموظفي الادارة العامة والعسكريين مطالبهم بكلّ سهولة. ترى كيف ستعالج هذه الحكومة هذه المشكلات الحساسة التي تطيح آمال اللبنانيين وهم يرون أن القوى السياسية غير مبالية بحاجات الناس في هذا العهد الذي قرّر التصدي للفساد والاهتمام بالاوضاع الاجتماعية والمعيشية. وفشل في مهمته وبات رهين القوى المتنافرة التي تحاول استغلال الفرص للانقضاض على هذا الشعب وتسعى الى قانون انتخابي لن يتحقق وستدخل البلاد في مرحلة الفراغ التي لم ترهب السياسيين لأن الحرص على البلد هو آخر همّهم «من بعد حشيشي ما ينبت حشيش».
إن هكذا شعب صامت مخدّر يستحقّ أمثال هؤلاء السياسيين المطمئنين الى استمرار سيطرتهم على مقدرات الدولة، طالما أن هذا الشعب مستكين لزعماء الطوائف الذين يقبضون على القرار المصيري، ويمنّنون أنفسهم بأن كراسيهم لن تهتز طالما أن هذا الشعب مخدّر ومسلوب الإرادة، وأن الله لن يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم.