محجوب أحمد قاهري

فجأة توقفت كل الاحتجاجات التي شهدتها تونس، والتي ادّعى كثيرون أنها بسبب قانون المالية وغلاء الأسعار. وفجأة أيضاً، صمت كل الساسة الذين كانوا يساندون هذه الاحتجاجات. مع الإشارة الى أن «السيد الشعب» لم يكن يعنيه أمر القانون من بعيد أو قريب، الفئة التي احتجت وصفت بأنها مخرّبة فاسدة، وأنهم لصوص، اعتبارا للفعل المضر الذي ألحقه بعضهم بالملك العام والخاص.
وفجأة أيضاً، تحول اهتمام الساسة الى وثيقة قرطاج، وخيبتها، وعجز أحزابها الأساسية، (نداء تونس وحركة النهضة)، في إدارة البلاد. ويجري مع ذلك بعض من الساسة، محاولات لدعوة أحزاب إلى الانسحاب من هذه الوثيقة. ومع أننا لا نساند مضمونها، إلا أنها حققت استقراراً مهماً في تونس إلى هذه اللحظة. الهدف من تحول الاهتمام في اتجاه وثيقة قرطاج أصبح معلناً، وهو إسقاط هذه الحكومة، وتكوين حكومة أخرى، من أهم شروطها عدم وجود حركة النهضة فيها، أو أن لا تكون ممثلة بحجمها البرلماني الحقيقي، حتى إن بعضهم دعا إلى أن تتحول حركة النهضة إلى جناح المعارضة، حتى يتم تقييم سلوكها وتخليها عن العنف.
كل ويلات السياسة في تونس، وكل الوضع الهش اقتصادياً واجتماعياً، يُعزى إلى عنوان واحد، هو عدم القبول الإيديولوجي بالحركة الإسلامية: النهضة، في نسيج المشهد التونسي، مع أنه تبيّن أنها أهم مكونات هذا النسيج، وطنياً وفكرياً وثقافياً وسياسياً.
طرفان يعملان بجد على عزل حركة النهضة. طرف قديم من قاع اليسار الاستئصالي، ليس في أدبيّاته وتحركاته سوى محاربة حركة النهضة، وحضوره وقوته مرتبطان في الاتجاه نفسه، بحضور حركة النهضة وقوتها. وطرف آخر مستجد، ظهر بعد ثورة 14 يناير، وتماهى بموقف عالمي من حركة الإخوان المسلمين، وهو موقف العداء والعزل والقتل.
لم يعد يخفى على أحد أن دولة الامارات والسعودية هما من قاد الثورات المضادة في الوطن العربي، وهما من جعل القضاء على الإخوان المسلمين الهدف الأول من كل حركات التخريب في الوطن العربي. منذ بداية الثورات باح ضاحي خلفان بكل أهدافهم وبرامجهم.
هاتان الدولتان خرّبتا الوطن بسبب الإخوان المسلمين، ذبحوا اليمن حتى لا يحكم حزب الإصلاح، وذبحوا الشعب الليبي حتى لا يحكم إخوانه، وزعزعوا الأوضاع في تونس، وما زالوا، إلى أن ترحل حركة النهضة، ودمروا سورية لأنهم اعتقدوا في لحظات فارقة أنه لو سقط بشار الأسد سيحكم إخوان سورية، وذبحوا وأحرقوا أهل مصر أحياء حتى يجري التخلص من الإخوان، ولا يحكموا. موّلوا انقلاب تركيا، وحاصروا وهدّدوا قطر لأن لها شبهة علاقة بالإخوان، وهم يلاعبون السودان، ويجيّشون على حدوده.
على مدى سبع سنوات لم تسقط حركة النهضة، لسببين: الأول أن «فكرة التوافق» التي اخترعها الشيخان (الغنوشي والسيسي) كانت جهنمية، للحد الذي أسعد الشيخ الرئيس، الذي حقق رغباته التاريخية، وكان من نتاج ذلك خلاف بينه وبين الإمارات، ويبدو أن الخلاف متواصل. والثاني، فإن الطرف الذي خسر الرهان على الرئيس الباجي لعب لعبته الخطيرة، في ضرب حزب نداء تونس، وقد نجح أيما نجاح في ذلك. إلا أنّ وجود نجل الرئيس، السبسي الابن، مع مجموعة من المحيطين به من الدساترة، مكن حركة النهضة من استثمار ذلك، ونجحت حركة النهضة حتى في تقوية هذا الشق، بغاية أن يستمر نداء تونس، الذي دخل «دار التوافق». وما زالت حركة النهضة تقاوم من أجل عدم فك هذا الارتباط. وسيظل الأمر كذلك إلى أن تعدل الأحزاب الرافضة لحركة النهضة مواقفها، وتؤمن بأن الوطن أهم من الإمارات والسعودية، فالنهضة تحمل سلبيات المجتمع التونسي وإيجابياته، وارتباطها بالإسلام، لم يتنزل في سياساتها، ولن يتنزل.}