عبد القادر الأسمر

إن من يتابع أوضاع الأمة على الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية يدرك أنها تمر في أسوأ مراحلها التاريخية، وهي أسوأ من عصر الدويلات المتشاكسة التي غزتها الحروب الصليبية من الغرب والتتار من الشرق. وها نحن في أتون أزمات من كل حدب وصوب. ولم تنجُ دولة من ألاعيب ومؤامرات الصهيونية العالمية ولم تتغير الأوضاع المأساوية على مختلف الصعد. ولنبدأ من سوريا التي تحاك فيها مخططات «سايكس-بيكو» الثانية بكل حزم وصراحة لا يخفيها الغرب الأميركي والأوروبي الذي يزعم أنه يقاتل «داعش» فيما الوقائع تؤكد انتهاجها وسيلة تدمير هذا البلد ودكّ المدن على رؤوس سكانها وتدمير مستشفيات حلب وأسواقها الشعبية التي لم تهز مشاعر المجتمع المتحضر الذي يرأف بالقطط والكلاب الشاردة ويبيد النساء والأطفال والعجائز، وهكذا يفعل الروس الذين يشاركون في حرب الإبادة الشاملة.
بلد ثلاثة أرباع أهله نازحون إلى الدول المجاورة أو يهربون في الزوارق التي تغرق بهم وقد وُعدوا بنعيم الهجرة ولا يدرون أنه ينتظرهم ذل الوقوف طوابير أمام مراكز الإغاثة والإيواء.
وماذا في ليبيا سوى الصراع «الأخوي» على السلطة بدعم من أميركا والدول الأوروبية تغذي الاقتتال الذي لا نهاية له في المستقبل القريب على ما يبدو.
وفي اليمن السعيد انهيار شامل وحرب عبثية تغذيها إيران والعصابات الحوثية ولا من أمل في المفاوضات التي تجري في الكويت.
وتبقى «إسرائيل» في اطمئنان تام بأن لن يتحرش بها أحد بل على العكس تطالعنا الأنباء عن زيارات سرية وعلنية لمسؤولين عرب للكيان الصهيوني مما بعث التفاؤل في قادة هذا الكيان ليصرحوا بمدى عقلانية «جيراننا العرب».
وسط هذه الأوضاع المخزية تطالعنا آراء المراسلين من نواكشوط بأن هذه القمة التي لم يشارك فيها معظم الزعماء العرب هي أقل من عادية، وأن البيان الختامي ليس سوى ورقة نعي لهذه الأمة المشتتة والمفككة والقلقة من خطر الإرهاب فيما سجونها  تضيق بعشرات الآلاف من المعتقلين تعسفاً، وفيهم الشباب المؤمن الذين يعتبرون العدوّ رقم واحد لأنظمة الذل والعار ولا يدرون بل ربما يعلمون أن بقاءهم على كرسي السلطة رهن بانصياعهم لأوامر أميركا والصهيونية العالمية وبمدى نجاحهم في ضرب الحركة الإسلامية المعتدلة التي تعاني من التضييق على تحركاتها ومصادر أموالها.
إنه خريف هذه الأمة الذي استسلم لإملاءات أعدائها وباتت في مأزق خطير لا منجاة منه وسط عدة أخطار ليس أقلها التمدد الإيراني في العراق وسوريا ولبنان والبحرين والكويت فيما «الحشد الشعبي» المذهبي يتابع حروبه المذهبية على سنّة العراق الذين هم بين ناري هذه الحركة المذهبية، و«خطر داعش» المتطرفة فضلاً عن تنامي قوة «حزب الله» العسكرية مما يشكل خطراً محدقاً ليس على «إسرائيل» وإنما على كيانات لبنانية أخرى.
فعلاً إن أمتنا الآن في خريفها السياسي والاقتصادي والأمني ولن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وتلك سنّة الحياة.
إن أمتنا الآن أمام مفترق خطير وعليها أن تختار بين العودة إلى شعبها وشبابها الذي يحفظ لها كرامتها واستقرارها ويؤمن لها شروط العزة والكرامة، وبين الارتماء في أحضان أعدائها والتضحية بشعبها إكراماً للمركز الأول، وعلى القادة العرب ألا يخافوا شعوبهم بل أن يتقربوا منها ويعملوا سوية على تحسين بلادهم وتحصينها ضد الأطماع الخارجية حتى نجتاز هذا الخريف الكئيب والمذل.