محمد الفضيلات

=يتلمس الأردنيون، منذ مطلع شباط الحالي، على نحو قاسٍ، أثر قرارات رفع أسعار الخبز والضرائب التي فرضتها الحكومة على قائمة طويلة من السلع بشكل أدى إلى تآكل دخولهم منذ دخول القرارات حيّز التنفيذ نهاية كانون الثاني الماضي.
ومنذ إقرار الموازنة التي أثارت ذعر الأحزاب والقوى السياسية التي صنفتها بأنها «الأكثر قسوة» في تاريخ الموازنات المتعاقبة، انحصر دور القوى المنظمة في مناهضتها بالبيانات، وبمسيرة يتيمة نفذها ائتلاف الأحزاب القومية واليسارية قبل نحو أسبوعين وسط العاصمة، وذلك في أعقاب قمع الأمن محاولتهم الاعتصام أمام دار رئاسة الوزراء.
وغاب حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، الأكثر تنظيماً وقدرة على الحشد بين الأحزاب الأردنية عن الشارع، مكتفياً بالاعتراض عبر ذراعه البرلمانية الممثلة بكتلة الإصلاح النيابية (14 نائباً) التي اختارت طريقاً دستورياً لإسقاط الحكومة عبر مذكرة نيابية لحجب الثقة، ما جعل الحزب وكتلته النيابية في مرمى الانتقاد والاتهام بالشعبوية نظراً للوقائع التي تثبت استحالة نجاحها في إسقاط الحكومة.
أمام الغياب «المريب» للقوى المنظمة عن قيادة الشارع، أو حضورها الخجول، برزت مجاميع شعبية تحرّض على الاحتجاج، مستثمرة الاستعداد لذلك لدى المواطنين بفعل الآثار «الكارثية» التي خلفتها القرارات الاقتصادية على واقعهم المعيشي.
وبرزت مدينتا السلط المتاخمة للعاصمة من الغرب، والكرك جنوب المملكة، شرارة للحركة الاحتجاجية التي تطورت في بعض محطاتها إلى مواجهات مع الأمن وأعمال شغب بتبادل المحتجين مع السلطات المسؤولية عن اندلاعها.
وبات متوقعاً أن تنتقل العدوى إلى مناطق أخرى من المملكة عرفت بانخراطها سابقاً بالاحتجاجات، إذ رصدت مظاهر احتجاجية خلال الأيام الماضية آخرها مسيرة انطلقت من حي الطفايلة في عمّان، مساء الأحد الماضي، باتجاه الديوان الملكي للمطالبة برحيل الحكومة والتراجع عن قرارات رفع الأسعار.
انطلقت الاحتجاجات الأولى من مدينة السلط في الأول من شباط الحالي، حين تظاهر المئات يهتفون بإسقاط الحكومة والتراجع عن رفع الأسعار، ويناشدون الملك التدخل لحماية المواطنين، قبل أن تنتقل المناشدات إلى انتقادات محدودة.
منذ ذلك الحين تشهد المدينة احتجاجات يومياً، لكن أخطرها تلك التي أعقبت زيارة الملك عبد الله الثاني للمدينة قبل نحو عشرة أيام، والتي تطورت إلى أعمال شغب بعد إقدام محتجين على إشعال الإطارات.
وقال النائب في البرلمان عن المدينة، معتز أبو رمان، إن «الاحتجاجات رسالة للحكومة للعدول عن قرارات رفع الأسعار وزيادة الضرائب التي أدت للتضييق على المواطنين في عيشهم». واعتبر أنه يتعيّن على الحكومة التعامل مع هذه الرسالة بقدر من الجدية وعدم الاستهتار».
من جهته أكد أحد الناشطين في الحراك الاحتجاجي، عزمهم على الاستمرار حتى إسقاط الحكومة والتراجع عن قرارات رفع الأسعار. وقال: «نحن لا نحتج من أجل تخريب البلد، نحن ندافع عن خبزنا، من رفعوا الأسعار هم من يريدون خراب البلد». وتابع: «احتجاجنا سلمي نرفض التخريب، من يقومون بعمليات التخريب فئة من أصحاب الأسبقيات والمطلوبين، هؤلاء معروفون للأجهزة الأمنية، لماذا لا يتم القبض عليهم؟».
وكشف الناشط المنخرط بمجوعة شبابية عن بروز انقسام بين المحتجين. ولفت إلى أنه «بدأت أصوات تحذر من انزلاق الأمور إلى الفوضى، في مواجهة أصوات أخرى ترى في استمرار الأوضاع الاقتصادية الحالية سبباً لأي فوضى قد تحدث».
الاحتجاجات الأكثر عنفاً شهدتها مدينة الكرك، وقد تطورت إلى مواجهات متقطعة بين المحتجين وقوات الدرك، التي اتهم مديرها، اللواء حسين الحواتمة، المحتجين بـ«استغلال الأحداث والأطفال وتحريضهم على الاعتداء على الأجهزة الأمنية، والقيام بأعمال تخريبية للممتلكات العامة واستخدام الزجاجات الحارقة» (المولوتوف).
وبالتزامن مع القرارات الاقتصادية «الصعبة»، خصصت الحكومة 171 مليون دينار (نحو 241 مليون دولار) في الموازنة تحت بند شبكة الأمان الاجتماعي.}