العدد 1508 /13-4-2022

د. وائل نجم

من دون أيّة مقدمات أو شروط مسبقة عاد سفراء المملكة العربية السعودية والكويت إلى بيروت وأوضح السفير السعودي، وليد البخاري، بعد العودة أنّه لم يكن هناك قطيعة بين المملكة ولبنان، ولكن كان هناك موقف دبلوماسي على خلفية ما حصل في لبنان من أنشطة تُعدّ بنظر المملكة معادية لها، وما حصل من عمليات تهريب مواد مخدّرة إلى السعودية تمّ اكتشاف العديد منها.

وللتذكير فقد استدعت السعودية سفيرها قبل حوالي خمسة أشهر على خلفية تنظيم أحزاب وشخصيات خليجية معارضة لحكوماتها أنشطة في بيروت برعاية قوى لبنانية أبرزها حزب الله، وقد اعتبرت المملكة في حينه أنّ رعاية مثل هذه الأنشطة وحصولها على الأراضي اللبنانية مضرّ بالمملكة ويُعدّ بمثابة اعتداء عليها، وبناء عليه طلبت وقف هذه الأنشطة ومنعها، وقد بذلت الحكومة اللبنانية جهوداً من أجل وقف مثل هذه الأنشطة غير أنّها لم تتمكّن من منعها بشكل كامل ما حدا بالمملكة وبعض دول الخليج معها اتخاذ إجراءات من بينها استدعاء السفراء.

لاحقاً حمل وزير الخارجية الكويتية ورقة باسم دول مجلس التعاون الخليجي تضمنت اثني عشر شرطاً لتطبيع العلاقة مع لبنان وإعادة المياه إلى مجاريها، غير أنّ الحكومة اللبنانية لم ترفض هذه الورقة ولكنها لم توافق عليها بشكل كامل أيضاً بل اقترحت إجراء حوار مع دول الخليج حولها، خاصة وأنّ أحد أبرز الشروط التي تضمّنتها الورقة هو تطبيق القرارات الدولية بما فيها القرار 1559 الذي يتضمّن سحب سلاح حزب الله، وهو ما لم تلتزم به الحكومة لمعرفتها بعدم القدرة على الوفاء بهذا الشرط.

اليوم عاد السفراء إلى لبنان من دون أن يتحقّق شيء من الشروط التي حملتها الورقة الكويتية، لا سيّما تلك الشروط "النافرة" التي كانت محل رفض من قوى أساسية في البلد، وجلّ ما تمّ هو تعهّد الحكومة وتأكيد التزامها بمنع أيّ إيداء لفظي أو عملي يضرّ بالخليج ويشكّل تهديداً له، والتعهد بالعمل لمنع ذلك بما لها من قدرة وإمكانية وقوّة.

والحقيقة هي أنّ سفراء الخليج، وبالتحديد سفير المملكة العربية السعودية عاد بعد إدراك حكومته أنّ الضغط الذي تمّ ممارسته على الحكومة اللبنانية لم يؤتِ أكله ولم ينفع في إخضاع أو إقناع القوى النافذة أو "المهيمنة" على الحكومة بتقديم أيّ تنازل، بل راهنت هذه القوى على كسب معركة الاستحقاق الانتخابي المقبلة، والفوز بأغلبية مقاعد المجلس النيابي، وبالتالي الإمساك بشكل أكبر بتلابيب القرار وبناصية البلد، وعليه ارتأت المملكة تغيير السلوك والتحوّل إلى سبيل أو وسيلة أخرى من أجل الحفاظ على الحدّ الأدنى من الدور في لبنان، وعلى ما يمكن أن يُبقي حالة من التوازن والاتزان في المشهد اللبناني عموماً بانتظار جلاء صورة المشهدين الإقليمي والدولي في ضوء الحرب الروسية الأوكرانية، وفي ضوء مفاوضات فيينا بين إيران ودول خمسة زائد واحد.

وبناءٍ عليه فإنّ عودة السفراء إلى بيروت تأتي في سياق استمرار حالة المواجهة واتخاذها شكلاً جديداً في المرحلة المقبلة، ومن ذلك الاستحقاق الانتخابي المقبل الذي باتت الصورة واضحة إلى حدّ كبير فيه لناحية النتائج من ناحية، ولناحية التدخلات والتجاذبات من ناحية ثانية.

لبنان الذي انتظر عودة العلاقات مع دول الخليج إلى طبيعتها القديمة ربما سيكون محكوماً بمزيد من الانتظار، فهذه العودة تأتي في سياق ملء الفراغ، بل هي قد تكون مقدمة لمعركة من نوع آخر ربما تحمل المزيد من الضغوط بدل المساعدات التي إن أتت أو وصلت إلى لبنان فهي بكل تأكيد ستكون مشروطة ومن ضمن الحسابات التي يتطلّع إليها أصحابها.

بيروت في 13/4/2022