نجح رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون، والمجلس النيابي نبيه بري، والحكومة سعد الحريري، خلال اجتماعهم يوم الثلاثاء الماضي، في معالجة الخلافات التي تحكمت بالمشهد السياسي اللبناني خلال الأسبوع الماضي، ولامس تفاقمها في الشارع الاستنفارات الطائفية، وأدت اتصالات الرؤساء إلى استيعابها وتنفيس الاحتقان حولها.
وشكلت التهديدات الإسرائيلية للبنان وخطوات الجيش الإسرائيلي على الحدود، مع الاستحقاقات التي ينتظرها لبنان، حافزاً للرؤساء الثلاثة لوضع رؤية موحدة لإدارة المرحلة حتى الانتخابات النيابية في 6 أيار المقبل، كما قالت مصادر المجتمعين، وشكل وصول نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي بالوكالة السفير ديفيد ساترفيلد إلى بيروت حافزاً لتفاهم الرؤساء، وقال مصدر في السفارة الأميركية أنه سيلتقي المسؤولين لبحث العلاقات اللبنانية– الأميركية.
واتفق الرؤساء الثلاثة، وفق بيان صدر عن الرئاسة اللبنانية، على «وجوب التزام وثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف)، وعدم السماح لأي خلاف سياسي بأن يهدد السلم الأهلي والاستقرار، لا سيما أن لبنان مقبل على مؤتمرات دولية لمساعدته في تعزيز قواه العسكرية والأمنية، والنهوض باقتصاده، وتمكينه من مواجهة التداعيات السلبية لتدفق النازحين السوريين».
كما اتفق المجتمعون على «تفعيل عمل المؤسسات الدستورية كافة، لا سيما مجلس النواب ومجلس الوزراء، وتوفير المناخات لإجراء الانتخابات النيابية، والعمل لإقرار موازنة عام 2018 في أسرع وقت»، وأهابوا بالقيادات اللبنانية «تجاوز الخلافات والارتقاء بالأداء السياسي إلى مستوى عال من المسؤولية الوطنية التي تفرضها دقة المرحلة التي تواجه لبنان وتتطلب وقفة تضامنية موحدة».
وأعلن البيان الرئاسي أن الرؤساء الثلاثة بحثوا في «التهديدات الإسرائيلية ضد سيادة لبنان واستقلاله وسلامة أراضيه، بعزم إسرائيل على بناء جدار أسمنتي قبالة الحدود الجنوبية وفي نقاط على «الخط الأزرق» يتحفظ عنها لبنان، إضافة إلى الادعاءات التي أطلقها وزير الدفاع الإسرائيلي حول ملكية المربع رقم 9 في المنطقة الاقتصادية الخالصة، بالتزامن مع إطلاق لبنان مناقصة تلزيم التنقيب عن النفط والغاز فيها». وأوضحت مصادر المجتمعين أن الرؤساء الثلاثة تجاوزوا تداعيات أزمة إصدار مرسوم الأقدمية لضباط دورة 1994، دون توقيعه من قِبل وزير المال علي حسن خليل، الذي كان أثار اعتراضاً من بري، واتفقوا على مخرج للخلاف تكتموا على تفاصيله التي ناقشوها.
وأكدت المصادر أن الحريري سيبحث مع وزير المال تسريع إنجاز الموازنة لتحويلها إلى مجلس الوزراء وإحالتها على البرلمان لإقرارها قبل الانتخابات، ما يستدعي فتح دورة نيابية استثنائية. وشددت على أن الدول والهيئات الدولية التي ستساعد لبنان على إنهاض اقتصاده في مؤتمر باريس (سيدر) أوائل نيسان المقبل تعلق أهميّة على خفض العجز في الموازنة، وهذا ما سينعكس إيجاباً على مؤتمر روما لدعم القوات المسلحة.
ويبدو من كل ما سبق أن الرؤساء الثلاثة تجاوزوا الأزمة المستحكمة التي فجرت العلاقة بين الرئيسين عون وبري، أو على الأصح بين الرئيس بري ووزير الخارجية جبران باسيل. ذلك أن هذا الأخير كان غائباً (أو مغيّباً) عن الاجتماع، والرئيس بري تنازل عن شرط المصالحة معه، وهو أن يتراجع عن كلامه المسيء ويقدم اعتذاراً للرئيس بري.. الذي اكتفى بأنه لم يكن حريصاً على هذا الاعتذار، وانما كان يحرص على أن يكون الاعتذار من الشعب اللبناني وليس منه شخصياً.
على أي حال، يبدو أن الجهود التي بذلها «سعاة الخير» للوصول إلى هذه المرحلة قد آتت أكلها، لا سيما حزب الله الذي ركز في إعلامه على إنعاش «وثيقة تفاهم مار مخايل» التي وقعها حزب الله (ممثلاً بالسيد حسن نصر الله) وتكتل التغيير والاصلاح (ممثلاً بالجنرال عون)، وقد نجحت جهود حزب الله في أن يتجاوز الرئيس عون الشتائم التي تعرض لها في الأحياء والقرى الشيعيّة، ومنها احراق صوره وازالة شعارات حزبه واطلاق الرصاص على بعض المراكز الحزبية.. وفي المقابل أن يصرّ الوزير باسيل على «البلطجة السياسية» دون أن يقدم اعتذاراً للرئيس بري، وصولاً إلى أن يلتقي الرؤساء الثلاثة في قصر بعبدا، فيتصافحوا ويتصالحوا، ثم ينشغلون بحقوق لبنان النفطية، سواء في البحر مقابل رأس الناقورة أو حول الجدار الذي يقيمه العدوّ الإسرائيلي على الحدود المتنازع عليها بين الطرفين.
لكن، هل انتهت اشكالية العلاقة بين القطبين: رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب؟! لم تبدأ الاشكالية اليوم، ولا من الوزير باسيل، وانما هي تعود الى أحداث قديمة تعود الى عام 1988 حين كان الرئيس عون معتصماً بقصر بعبدا، أو قصر الشعب، ثم الى امتناع الرئيس بري عن التصويت لمصلحة الرئيس عون في الانتخابات الرئاسية. وإذا كانت صفحة الخلاف قد طويت فإن وليّ عهد الرئيس عون الذي يحرص على ممارسة «البلطجة السياسية» سوف يفتح سجلات الماضي وصفحات الخلاف بين الرئيسين عون والحريري، وهذا ما يهدد التحالفات الانتخابية وتشكيل الكتل النيابية فيما يبقى من أيام «سيد العهد».