العدد 1516 /15-6-2022

كما كان مرتقباً ومنتظراً حضر الوسيط الأمريكي، آموس هوكشتاين، إلى بيروت يوم الاثنين والتقى العديد من الشخصيات الرسمية اللبنانية بدءاً برئيس الجمهورية مروراً برئيسي المجلس النيابي وحكومة تصريف الأعمال وصولاً إلى وزير الخارجية وقائد الجيش ومدير عام الأمن العام. لقد استمع هوكشتاين إلى جواب لبنان على مقترحه الذي تقدّم به قبل بضعة أشهر شفوياً من رئيس الجمهورية ميشال عون كموقف تقف خلفه كلّ القيادة اللبنانية، ومضمون هذا الموقف الشفوي أنّ لبنان يصرّ على المفاوضات غير المباشرة مع العدو الإسرائيلي بخصوص مسألة ترسيم الحدود، ويتمسّك بحقه في الخط 23 ويرفض اقتسام حقل "قانا" الذي يقسمه الخط 23 إلى قسمين، ويتمسّك أيضاً برفض أن تقوم حكومة الاحتلال باستخراج الغاز من حقل "كاريش" بانتظار انتهاء المفاوضات وترسيم الحدود البحرية بشكل كامل، بمعنى آخر تأخير استخراج الغاز من هذا الحقل بعد أن استقدم العدو الإسرائيلي سفينة يونانية إلى هذا الحقل لهذه الغاية. ولكن ماذا عن الخط 29 الذي أكّد الجيش في تقاريره بعد عمليات المسح الجغرافي الذي أجراه في منطقة ساحل الناقورة؟ ماذا عن هذه المنطقة التي يشملها هذا الخط والتي تقدّر بأكثر من 1400كلم2 وتضم حقل "كاريش"؟ ماذا عن جدّية الحفاظ على حقوق لبنان في هذه المنطقة خاصة وأنّ لبنان تكلّف أموالاً مقابل القيام بهذا المسح وحتى تمّ التوصّل إلى ترسيم هذا الخط؟ ومن يجرؤ على القبول بهذا التنازل عن هذه الحقوق؟ وهل لأجل ذلك تمّ تسليم جواب شفوي بدل الجواب الخطّي على الاقتراح الأمريكي؟

من الواضح أنّ هوكشتاين ومن خلفه الإدارة الأمريكية ومعهما حكومة الاحتلال الإسرائيلي وأيضاً الأمم المتحدة، كلّ هؤلاء لا يعترفون بالخط 29 ولا قيمة له عندهم لأنّه ببساطة خط غير موثّق ولا مسجّل لدى دوائر الأمم المتحدة. وبالتالي فلا وجود للخط 29 في وساطة هوكشتاين، وأنّ أيّ مطلب لبناني بوقف كيان العدو استخراج الغاز من حقل "كاريش" من وجهة نظر هوكشتاين هو مطلب غير محق، بل هو نوع من عرقلة الوساطة الأمريكية لحلّ هذه القضية، هذا إذا اعتبرنا أنّ الولايات المتحدة الأمريكية جادّة في حلّ هذه القضية أو إذا سلّمنا بنزاهتها في هذه الوساطة، خاصة وأنّ معلومات تردّدت أنّ هوكشتاين يحمل الحنسية الإسرائيلية إضافة إلى الجنسية الأمريكية فضلاً عن أنّه قد خدم في جيش الاحتلال ما بين الأعوام 1992 و1995.

إنّ عنصر القوّة الأساسي الذي يمكّن المفاوض اللبناني من التمسّك بحقه وثروته ويمنع كيان الاحتلال من سرقة هذا الحق والثروة الوطنية يبدأ من تعديل المرسوم 6433 وتثبيت الخط 29 لدى الأمم المتحدة كخط حدود بحرية، ومن ثم بعد ذلك تحميل الوسيط الأمريكي أو غيره مسؤولية قيام كيان الاحتلال باستخراج النفط أو الغاز من المنطقة المتنازع عليها. وعندها أيضاً يمنح هذا الموقف المقاومة اللبنانية شرعية وسقفاً للدفاع عن الحقوق اللبنانية في هذه المنطقة، أمّا أن يظلّ الموقف مبهماً ولا يستند إلى أيّ مسوّغ قانوني فإنّ ذلك يحوّل لبنان من صاحب حقّ إلى معتدّ، ومن مظلوم إلى ظالم ويحرّض كل العالم عليه بما في ذلك بشكل أساسي أوروبا التي تجد نفسها بحاجة ماسّة إلى الغاز اليوم في ظلّ الحرب الروسية الأوكرانية، وهي بالمناسبة فرصة حقيقية وجدّية للبنان للحصول على حقوقه وثروته. بغير ذلك فإنّ كل الأموال التي دُفعت من أجل ترسيم الخط 29 تكون قد ذهبت هباءً منثوراً فضلاً عن أنّ الموقف يكون قد كشف المقاومة فيما لو فكّرت أيّ يوم بحماية حقوق لبنان وثروته وحوّلها من قوّة تسهم في حماية لبنان إلى مجموعة "إرهابية" تنشر الفوضى والعنف في المنطقة والعالم.

د. وائل نجم