العدد 1515 /8-6-2022

قبل أيّام ضجّ الوسط السياسي والأعلامي بخبر وصول سفينة إنتاج الغاز الإسرائيلية إلى حقل "كاريش" عند نقطة الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، وتحدّثت الأنباء أنّ السفينة تخطّت الخط 29 بـ خمسة كليومترات في المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، ومن المفترض أن تشرع في عملية إنتاج الغاز من الحقل المذكور في وقت قريب. بمعنى آخر أي أنّ كيان الاحتلال سيبدأ باستخراج الغاز من حقل يقع ضمن منطقة لبنان وسيبع هذا الغاز في عملية سرقة موصوفة وفي وضح النهار. بينما في بيروت حيث أكّد الجيش اللبناني في ضوء عمليات المسح الدقيق للشاطئ اللبناني، خاصة في منطقة رأس الناقورة باستخدام الأجهزة الأكثر تطوراً، أكّد وأثبت أنّ الخط 29 هو خط الحدود، (خط يعطي لبنان مساحة إضافية تقدّر بحوالي 1430 كلم2)، غير أنّ المفارقة أنّ السلطة أو الجهة المعنية في لبنان لم تقم بثتبيت هذا الخط لدى الأمم المتحدة، بل اكتفت برسالة فقط بعث بها رئيس الجمهورية ميشال عون في مطلع شباط من العام 2022 إلى الأمين العام للأمم المتحدة بهذا الخصوص، وبالتالي لم يتم تثبيت هذا الخط ظلّ خط الحدود المثبّت لدى الأمم المتحدة بالنسبة للبنان هو الخط 23، وبالتالي فإنّ الخط 29 المشار إليه أعلاه لم يكن له أيّة قيمة حقيقية وقانونية لا بنظر الإسرائيلي ولا حتى للأسف بنظر الأمم المتحدة.

اليوم وبعد أنّ ضجّت الدنيا بهذا الحدث الذي يمكن أن يجرّ ليس لبنان فحسب، بل كلّ المنطقة إلى حرب كبيرة وواسعة، السؤال الأساسي والجوهري الذي يحتاج أولاً إلى جواب، وثانياً إلى تحرّك سريع لاستدراك الحقوق منعاً من إضاعتها أو ضيعانها، من يتحمّل مسؤولية هذا الخطأ إن لم نقل الجريمة أو الخيانة بتبديد هذه الثروة الوطنية الهائلة التي يمكن التعويل عليها لمعالجة الأزمة الاقتصادية الحياتية المتفاقمة والتي تعصف بلبنان؟! من يجرؤ اليوم على اتخاذ القرار السيادي بحماية هذه الثروة منعاً من سرقتها لحساب الإسرائيلي في وقت يتضوّر اللبناني جوعاً ؟!

كان حري بالسلطة السياسية وعلى رأسها رئيس الجمهورية الذي على مدار ستة أعوام كان يعزف نشيد الرئيس القوي والصلاحيات أن يتحرك فور صدور تقرير الجيش اللبناني الذي أكّد على أنّ حدود لبنان البحرية هي الخط 29، فيعمد مجلس الوزراء إلى تعديل المرسوم 6433 ليؤكّد على هذا الخط كحدّ بحري مع فلسطين المحتلة، ومن ثمّ يصار إلى تثبيت هذا الشيء لدى الأمم المتحدة، وبذلك كان يتمّ إدخال هذه المنطقة (1430 كلم2) ضمن المناطق المتنازع عليها، وعندها لن يجرؤ الإسرائيلي على الاقتراب منها أو المساس بها كما أنّه لا يجرؤ على الاقتراب من الحدود البرّية أو المسّ بأي حقّ من حقوق لبنان فيها، وبذلك تُحفظ هذه الثروة الوطنية بانتظار الاتفاق على ترسيم الحدود أو انتهاء الصراع واستخراج هذه الثروات الطبيعية. أمّا وقد جرى التفريط بهذه الحقوق وهذه الثروة من خلال التقاعص أو الإهمال أو لأيّ سبب كان، فإنّ ذلك يُعدّ تفريطاً بالحقوق الوطنية والسيادية ممن يُفترض بهم الحفاظ عليها وحمايتها، وهذا يحمّل أولئك المقصّرين أو المتقاعصين حتى لا نقول غير ذلك مسؤولية أمام الشعب اللبناني وأمام القانون والقضاء اللبناني مهما علا شأنهم ومقامهم، ولا بدّ من محاسبتهم على هذا الفعل بغض النظر عن النوايا.

أمّا وقد شرع الإسرائيلي في عملية الانتاج فإنّ ذلك يحتاج إلى تحرّك سريع يثبت حقوق لبنان في هذه المنطقة أولاً ودون أي تباطؤ أو رهان على وسيط أمريكي أو غيره، ومن ثمّ بعد ذلك العمل لحماية هذه الثروة الوطنية بما يملك لبنان من إمكانيات بما فيها الجيش والشعب والمقاومة.

د. وائل نجم