العدد 1412 / 6-5-2020

د. وائل نجم

يمكن القول إن اللقاء التشاوري الذي دعا إليه رئيس الجمهورية يوم الأربعاء في قصر بعبدا رؤساء الكتل النيابية وُلد هزيلاً حتى قبل أن ينعقد.

لقد أراد رئيس الجمهورية من اللقاء أخذ موافقة الكتل النيابية على الخطة الاقتصادية الإصلاحية التي أقرّتها الحكومة يوم الخميس (30/4/2020) والتي من المفترض أن تتقدّم بها إلى المجتمع الدولي، ومجموعات دعم لبنان، وصناديق التمويل العربية والأجنبية بهدف الحصول على الأموال اللازمة لإعادة الحياة إلى شرايين الاقتصاد اللبناني المهترىء. والرئيس يدرك أنّ الخطة حتى تكون محل قبول تلك الجهات المعنية بالتمويل تحتاج إلى قبول الأطراف النيابية والسياسية المشاركة في إدارة البلد على أقلّ تقدير، لأنّ تلك الجهات لا يعنيها مطالب المواطنين المنتفضين كما يحلو لها دائماً الترويج.

غير أنّ القوى الداخلية التي تعيش حالة من الانقسام السياسي، والسجال الدائم الذي يرقى، في أغلب الأحيان، إلى مرتبة ومستوى الاتهامات المباشرة والعلنية بين الأطراف، ليست بوارد أن يمنح أيّ منها الطرف الآخر فرصة تسجيل نصر وهمي أو نقطة تقدّم، وبالتالي فهي غير معنية بإنجاح أية خطة أو خطوة لا تعود عليها بالنفع، ولذلك هي تدرك أن إعطاء فرصة تسجيل نصر أو لنقل نجاح للطرف المنافس والمخاصم يعطيه قوة دفع إضافية للاستثار بالسلطة بشكل أكبر، وإلى ممارسة نوع من الكيدية أو الإلغاء بشكل أكثر، ولذلك تعتبر نفسها غير معنيّة بمنحه هذا النجاح، هذا لو اعتبرنا أنّ الخطة الأخيرة التي أقرّتها الحكومة ستشكل مدخلاً للحلّ والخروج من الأزمة، أو باباً للانطلاق نحو الدول المانحة وصناديق التمويل.

إنّ هذه الحسبة السياسية الداخلية والخاصة والضيّقة عند كل الأطراف دون استثناء جعلت الجميع يتصرّف بطريقة غير مسؤولة وبعيدة عن مفهوم رجال الدولة من ناحية، وإيجاد الحلّ للمواطنين من ناحية ثانية، بل كانت حسابات كل طرف تنطلق من مصالحه الخاصة والفئوية والضيّقة، فهذا يريد أن يعزل الآخرين أو يستأثر بالسلطة والقرار بشكل كامل ضارباً بعرض الحائط الدستور والقوانين وحتى الأعراف وما يؤّمن مصالح الناس، كل الناس، وليس مصالح أبناء الطائفة أو الحزب أو التيار. وذاك لا يأبه لخطة يمكن أن تشكّل خطوة أولى على طريق الإصلاح أو الخروج من النفق المظلم.

من هذا المنطلق بدت دعوة رئيس الجمهورية، وبغض النظر عن النوايا، ضرباً من محاولات إحكام القبضة على السلطة بعيداً عن دور الحكومة والمجلس النيابي الفعليين، بل واختصاراً لدورهما معاً، وهذا يُفسّر، جراء الممارسات السابقة من بعض المحيطين بدوائر القرار الرئاسي، نوعاً من تجاوز الدستور، ومحاولات الإلغاء والتهميش بحق الآخرين في بلد يقوم أساساً على مبدأ الشراكة الكاملة والمنصفة وتوزيع الأدوار.

وفي مقابل ذلك فإن الآخرين من المعتذرين أو المقاطعين، أو حتى المشاركين على مضض، لأنّ هناك مشاركين على مضض في هذا اللقاء، لا يجدون أنفسهم مضطرين لتقديم فرصة يُسجّل الطرف المقابل فيه نجاحاً على حسابهم سياسياً حتى لو افترضنا أنّها في حساب الناس معيشياً واقتصادياً.

لكل ذلك فقد قاطع من قاطع، واعتذر من اعتذر، وشارك من شارك على مضض، ولكن في مطلق الأحوال فإن اللقاء الذي كان يسعى الرئيس وفريقه وحلفاؤه إلى جعله حاضنة وطنية لخطة الإصلاح الاقتصادية، تمخّض لقاء هزيلاً لا يقدّم ولا يؤخّر، مع كامل الاحترام للمشاركين فيه من رؤساء الكتل، لأنّه ظلّ يفتقر إلى الإجماع الوطني المفقود في هذا البلد منذ الزمن الذي طغى فيه الفكر الإلغائي الاستئثاري بكل شيء.