العدد 1563 /17-5-2023
د. وائل نجم

الحدث الذي أسر اهتمام العالم خلال الأسبوع الماضي كان تركياً يتمثّل بالانتخابات الرئاسية والنيابية التي جرت يوم الرابع عشر من أيّار الجاري حيث تمخّضت النتائج عن فوز كبير لحزب العدالة والتنمية وحلفائه في النيابية بعكس التوقّعات التي كانت تتوقّع فوز أحزاب الطاولة السداسية المعارضة بأفلبية مقاعد المجلس النيابي التركي، وهو ما شكّل صدمة كبيرة للمعارضة ولداعميها الإقليميين والدوليين الذين بذلوا مجهوداً وأموالاً ودعماً كبيراً لضمان فوز أحزاب المعارضة فيها، ومع ذلك فشلت هذه الأحزاب بالفوز في أغلبية مقاعد المجلس.

أمّا في الانتخابات الرئاسية فقد كانت أيضاً النتائج مفاجئة للمعارضة وداعميها الذين كانوا يمنّون النفس بفوز مرشحهم، كمال كليجدار أوغلو، برئاسة الجمهورية وإقصاء الرئيس رجب طيب أردوغان. صحيح أنّ الرئيس أردوغان لم يحسم نتيجة الفوز من الجولة الأولى لأنّه لم يتمكّن من تخطّي عتبة 50% غير أنّه حصل على رقم قريب جدّاً من الفوز 49.51% . هو يحتاج إلى نصف بالمئة لضمان الفوز وهو ما يرجّحه أغلب الخبراء والعارفون في الجولة الثانية المقرّرة في الثامن والعشرين من أيّار الجاري.

قبل الحديث عن مستقبل تركيا بعد الثامن والعشرين من أيّار الجاري لا بُدّ من الإشارة إلى بعض الأمور والقضايا:

لقد أكّدت الجولة الأولى من الانتخابات أنّ الديمقراطية التركية عريقة ومستقرّة في وجدان الشعب التركي؛ فقد اشترك في الجولة الأولى من الانتخابات ما نسبته 89% من الناخبين تقريباً، أي حوالي 56 مليون ناخب تركي أدلوا بأصواتهم. لقد أظهرت الانتخابات أنّ الاتراك يلجأون إلى صناديق الاقتراع لحسم ورسم مساراتهم ومستقبلهم السياسي والإقليمي والدولي.

لقد أكّدت الجولة الانتخابية الأولى رقي المشاركة والتعبير، فعلى الرغم من مشاركة هذا العدد الكبير من الأتراك بالانتخابات لم يُسجّل أيّ مشكلات وفوضى تُذكر كما أشارت إلى ذلك اللجنة المشرفة على الانتخابات.

لم يكن بمقدور أي طرف أن يحسم الفوز حتى صدور النتائج الرسمية من قبل اللجنة المركزية المشرفة على الانتخابات؛ كما سُجّل في هذا السياق شفافية هذه اللجنة وعدم ارتباطها بالحكومة على الرغم من أنّها مؤسسة من مؤسسات الدولة.

دحضت الانتخابات والنتائج كلّ الافتراءات التي كانت تزعم وتتهم الرئيس رجب طيب أردوغان بالديكتاتورية والاستبداد؛ إذ أنّ المعارضة خاضت الانتخابات بكل أريحية وأجواء من الحرّية والديمقراطية، واللجان المشرفة على الانتخابات كانت صاحبة القرار بإصدار النتائج، والرئيس المتهم بالاستبداد لا يمكنه أن يعلن الفوز مع حاجته فقط إلى 0.5% من الأصوات.

أثبتت نتائج الانتخابات أنّ حزب العدالة والتنمية ما زال في صدارة المشهد السياسي التركي على الرغم من تواجده في السلطة منذ أكثر من عشرين عاماً وهذا يُعدّ من الانجازات الكبيرة إذ غالباً ما تتراجع أحزاب السلطة عندما تكون في رأس إدارة الدولة لفترة طويلة في أنظمة ديمقراطية حقيقية.

وأمّا عن مستقبل تركيا ومسارات سياستها الداخلية والخارجية بعد الثامن والعشرين من أيّار وفي ضوء نتائج الانتخابات النيابية في الجولة الأولى فإنّ فوز أردوغان في الجولة الثانية سيعني بالتأكيد الاستمرار في السياسة التي انتهجها والتي تقوم بشكل أساسي على تكريس مبدأ التوازن وعدم الانجرار إلى استقطاب هنا أو هناك، مع التركيز على تفعيل دور ما يُسمّى بالعالم التركي أو الدول الناطقة بالتركية، فضلاً عن تفعيل دور العالم الإسلامي، والانخراط أكثر في بعض الملفات من أجل تأمين مصالح تركيا.

وعلى المستوى الداخلي فإنّ أردوغان وحزبه لا بدّ أن يعيدا النظر بسياستهم الداخلية وأداء مسؤوليهم في المناطق التي خسر أو تراجع الحزب فيها ومن بينها العاصمة أنقرة واسطنبول. إضافة إلى تعزيز مسار الدولة التركية الحديثة التي بدأها منذ استلام السلطة في العام 2002.

د. وائل نجم