على الرغم من انشغال لبنان واللبنانيين بهموم وقضايا شائكة لم يجدوا منها فكاكاً، مثل الانتخابات النيابية والقانون الذي سوف يجري اعتماده، وهل ستجرى الانتخابات في موعدها أم يجري التمديد التقني أم التقليدي للمجلس النيابي، إذا ما تعذّر الوصول إلى صيغة وفاقية لإجراء الانتخابات، وعمليات الخطف والاغتيال التي تقع كل أسبوع.. لكن يبقى موضوع بالغ الأهمية يشغل الناس، سواء في لبنان أو العالم من حوله، هو الإرهاب الذي بات الشاغل الأكبر أو الأخطر، والذي توجه أصابع الاتهام فيه إلى المسلمين بشكل عام، والإسلاميين الملتزمين على وجه الخصوص.
كلما وقعت جريمة إرهابية, أو عملية قتل جماعية مما يقع مثله باستمرار نتيجة انحراف سلوكي أو مرض عصابي أو صراع حزبي، توجهت أصابع الاتهام إلى الإسلاميين، والأصوليين منهم على وجه الخصوص، مع التركيز على مسؤولية العلماء والمؤسسات الدينية عن هذه الجرائم.. مع أن عدداً من أقطار العالم الإسلامي تقيم مؤتمرات دورية لمعالجة ظاهرة الإرهاب، وأن الإسلام بعيد كل البعد عن هذه الظاهرة، سواء في القرآن الكريم أو السيرة النبوية، وأن الإسلام هو دين الرحمة والمحبة والسلام، وأن تحيّة المسلم هي السلام، وكذلك آخر كلمات المؤمن في صلاته هي السلام (السلام عليكم ورحمة الله).
رغم كل هذه المبرّرات والمقدمات، فإن تهمة الإرهاب لا تزال معششة في ساحتنا الإسلامية، وما زال العالم يوجه الاتهام للمسلمين كلما وقعت جريمة، فكيف ولماذا؟!
لعل من نافلة القول أن الإرهاب هو نتيجة القهر والاستبداد، سواء في ساحتنا العربية الإسلامية أو في الساحات الآسيوية عندما كان الإرهاب يعشش في أقطار شرق آسيا. وعندما احتل السوفيات أفغانستان مطلع ثمانينات القرن العشرين، وكانت روسيا تحمل الفكر الشيوعي الماركسي، استنفر شباب العالم الإسلامي ومجاهدوه لمقاومة الغزو الروسي، إلى أن استطاعوا إلزام القوات الروسية بالانسحاب أواخر الثمانينات، وتفكيك الكتلة السوفياتية وإزالة جدار برلين مطلع التسعينات. من هناك بدأ المدّ الجهادي الإسلامي يأخذ أبعاداً جديدة، وكان للأجهزة الأمريكية دور بارز في زرع هذا التوجه في الساحات الأفغانية والباكستانية المجاورة، قبل أن يعود «الجهاديون الجدد» الى أقطارهم، ويلتقوا مع الجهاديين الذين خرجوا من السجون المصرية والسورية وغيرها، وصولاً إلى أحداث 11 أيلول (2001) وتفجير برجي التجارة العالمية في الولايات المتحدة وما نتج عنه من ضحايا وخسائر بشرية ومادية..
منذ ذلك التاريخ، وتلك الأحداث، بدأت حرب كونية (حتى لا أقول عالمية) على الإسلام والمسلمين في العالم الغربي، وبات المسلم والعربي يوضع تحت المجهر إذا سافر الى أي قطر غربي، وأمريكي على وجه الخصوص، الى أن جاءت أحداث ما سمي «الربيع العربي» حين قامت ثورات شعبية في عدد من أقطار العالم العربي، وأسقطت الأنظمة العسكرية والاستبدادية، لتحل محلها قوى إسلامية كانت مقهورة ومضطهدة، بدءاً من مطلع عام 2011، ليجري الانقضاض على الثورات الشعبية ونتائج الانتخابات النيابية، ويجري اعادة الإسلاميين الى السجون والمعتقلات.. وتبرز من جديد تيارات متطرفة تحمل الهوية الإسلامية، بدفع من الأنظمة الاستبدادية، لا سيما في سوريا والعراق، لنرى من جديد «جبهة النصرة» و«تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام» وغيرها من الفصائل، وتبدأ مرحلة جديدة من التطرف، أو «الإرهاب» الذي يحمل الهوية الإسلامية، مستثمرة ما يجري في العراق وبلاد الشام لتبرير ممار ساتها الإرهابية.
واليوم، أمامنا نموذجان من المواجهات الغربية - أو الأمريكية - لهذه الظاهرة. في الأقطار الأوروبية جرت عدة جولات من الاستفتاءات والانتخابات النيابية، وجاءت القوى الحزبية اليمينية المتطرفة في الطليعة. ومؤخراً أجريت الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي فاز بها دونالد ترامب عن الحزب الجمهوري (اليميني)، ليقف الرئيس الجديد بعد انتخابه ليقول: «سنوحد العالم المتحضر ضد الإرهاب الإسلامي المتطرف، الذي سنزيله من على وجه الأرض»، بالإضافة إلى مواقف متطرفة إزاء القضية الفلسطينية، ونقل السفارة الأمريكية في الكيان الصهيوني من تل أبيب إلى القدس.
أمامنا نموذج أمريكي آخر، هو الرئيس السابق باراك أوباما، حين جاء إلى مصر عام 2009 في مرحلة هي أقرب الى أحداث 11 أيلول 2001 ليخطب في جامعة القاهرة قائلاً: اننا نلتقي في وقت يشوبه التوتر بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، وهو توتر تمتد جذوره الي قوى تاريخية تتجاوز أي نقاش سياسي، وتشمل العلاقة بين الإسلام والغرب، قروناً سادها حسن التعايش والتعاون.. لقد أتيت الى هنا للبحث عن بداية جديدة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي استناداً إلى المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل»، وأضاف: «وينص القرآن الكريم على ما يلي: >اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً< وهذا ما سأحاول بما في وسعي أن أفعله»، بالإضافة إلى كلام طويل للرئيس أوباما عن العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي.
لكل ما سبق، ان أمام العالم الإسلامي، والقوى الإسلامية على وجه الخصوص، مسؤولية كبيرة في مواجهة ما يسمى «الإرهاب الإسلامي»، وسدّ الثغرات التي يتسرّب عبرها الإرهاب الى الساحات الإسلامية، وذلك ليس بإلقاء التبعة على كاهل العلماء ودار افتوى ودوائر الأوقاف، فهذه المؤسسات تقوم بواجبها قدر استطاعتها.. لكن الواجب أكبر وأوسع، ليس فقط بايداع الإرهابيين السجون، فهم يخرجون منها أشد ارهاباً.. بل باتاحة الحرية الفكرية والسياسية لشباب الأمة، كي يمارسوا حقهم في الحياة الحرة الكريمة، بعيداً عن أي ظلم أو قهر أو اضطهاد.