العدد 1360 / 1-5-2019

فجّر رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي، وليد جنبلاط، سجالاً مدوّياً على مستوى البلد عندما صرّح في مقابلة تلفزيونية مع قناة "روسيا اليوم" حول مزارع شبعا المحتلة , معتبراً أنها سورية، وقد تعرّض جراء ذلك لحملة عنيفة من العديد من الشخصيات والقوى السياسية التي تصنّف في خانة حلفاء النظام السوري، في مقابل حملة تضامن واسعة أيضاً من العديد من القوى والشخصيات مع جنبلاط , على اعتبار أننا في لبنان بحاجة إلى تأكيد لبنانية المزارع من خلال اعتراف من الحكومة السورية أمام الأمم المتحدة.

ما من أحد في لبنان يشكّك في لبنانية وزعامة وليد جنبلاط الوطنية، فهو الذي ناصر القضية الفلسطينية، وهو الذي وقف خلال العقد والنصف الأخير في مواجهة أية فتنة أو حرب أهلية، وهو الذي استطاع من خلال موقعه الوسطي الذي اختاره بعد تسوية الدوحة أن يؤدي دوراً وطيناً جامعاً , وكان بمثابة صمّام أمان مع غيره من الزعماء الوطنيين. إلا أن التصريح الأخير للسيد جنبلاط أثار عليه زوبعة واسعة من الاتهامات التي وصل بعضها إلى حد الاتهام بالخيانة العظمى , كما جاء في تصريح الوزير السابق نقولا فتّوش.

الجميع في لبنان يؤمن بلبنانية مزارع شبعا المحتلة. ويكاد المرء يجزم أن أيّاً من القوى والشخصيات السياسية اللبنانية يريد أن تكون هذه المزارع تحت الاحتلال الاسرائيلي، أو خاضعة للسيادة السورية. إلا أن الإشكالية في هذا الموضوع تكمن في إثبات لبنانية هذه المزارع المحتلة.

عندما احتلت قوات الاحتلال الاسرائيلي أواخر ستينات القرن العشرين تلك المنطقة , كانت تتواجد فيها بعض المخافر التابعة للحكومة السورية، مع أنها أراضي لبنانية، وأهلها لبنانيون من بلدات شبعا وكفرشوبا ويملك بعضهم أوراقاً ثبوتية تثبت أن أرضهم مسجلة في الدوائر العقارية اللبنانية، فضلاً عن أن الدرك اللبناني نظّم العديد من محاضر الضبط في قضايا مختلفة في تلك المنطقة، وهذا يدل على أنها كانت خاضعة للسيادة اللبنانية. إلا أن مسألة التهريب عبر الحدود في أواخر خمسينات وأوائل ستينات القرن العشرين، ونتيجة طبيعة الأرض في تلك المنطقة، وبعدها عن الأماكن المأهولة ومخافر الدرك، جرى التفاهم على تعزيز مخافر الدرك السورية في تلك المنطقة لضبط التهريب، لكن ذلك أنشأ واقعاً جديداً، خاصة بعد احتلالها من قبل "إسرائيل" حيث وجدت قوات الاحتلال مخافر الدرك السورية في تلك المنطقة، فضلاً عن ذلك فإن فرنسا الدولة "المنتدبة" على لبنان لم ترسّم الحدود في تلك المنطقة، فظلّت الحدود مبهمة، وهذا ما كرّس هذا الواقع، واعطى انطباعاً أن المزارع المحلة سورية.

كما أن الأمين العام للأمم المتحدة تحدث قبل مدة , مشيراً إلى أن الخرائط المتواجدة في الأمم المتحدة تشير إلى أن هذه المنطقة سورية وليست لبنانية. وبغض النظر عن المسؤول تاريخياً عن هذا الموضوع، فإن لبنان اليوم بحاجة إلى إثبات لبنانية المزارع من خلال الاتفاق مع سورية علىترسيم الحدود، أو من خلال اعتراف الحكومة السورية أمام الأمم المتحدة، ومن خلال وثائق معيّنة بأن هذه المنقطة منطقة لبنانية وليست سورية، وعندها يمكن القول إننا نكون قد خضنا حجج كل العالم حول هذه المسألة , ويصبح تحريرها وحفظها لأهلها حقاً لا يمكن التنازل عنه.

قبل أسابيع، وفي سياق دعم الولايات المتحدة الأمريكية لكيان الاحتلال الاسرائيلي، اعترف الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، بما سمّاه "السيادة الإسرائيلية" على هضبة الجولان السورية المحتلة. وقد فاخر رئيس وزراء كيان الإحتلال، بنيامين نتنياهو، بهذا الإنجاز.

اليوم نحن في لبنان بحاجة إلى إثبات لبنانية مزراع شبعا أمام الأمم المتحدة للحفاظ على لبنانيتها، وللحفاظ عليها لأهلها وللعمل من أجل تحريرها بكافة السبل المتاحة، وقد أبدى رئيس الجمهورية، ميشال عون، قلقه وخوفه من مسألة إلحاق المزارع بـ "السيادة الإسرائيلية" على اعتبار أنها سورية، ولعلّ رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي أراد تحريك هذه المياه الراكدة في هذا المستنقع من أجل الحفاظ على مزارع شبعا لأهلها وأبنائها، وحتى تبقى لبنانية باعترف الأطراف المعنية وبتوثيق الأمم المتحدة لذلك.

د. وائل نجم