العدد 1686 /22-10-2025
د. وائل نجم
في
كلمته أمام "الكنيست الإسرائيلي" وفي لقاء شرم الشيخ أشاد الرئيس
الأمريكي، دونالد ترامب، بالرئيس جوزيف عون، ودعا لبنان إلى بدء مفاوضات مع كيان
الاحتلال الإسرائيلي من دون أن يحدّد النقاط أو العناوين التي يمكن أن يدور حولها
أو يطالها التفاوض.
رئيس
الجمهورية جوزيف عون ردّ على دعوة ترامب إلى التفاوض، فلم يرفض الدعوة بشكل كامل،
ولم يقبلها دون شروط. التفاوض حصل من قبل على عناوين محدّدة كما في ملف الغاز
وترسيم الحدود البحرية، ولكنّه كان غير مباشر، ولذا فإنّ الرئيس لم يرفض التفاوض
غير المباشر، أمّا التفاوض المباشر فمرفوض. كذلك نُقل عن الثنائي الشيعي عدم رفض
التفاوض غير المباشر أمّا المباشر فهو أيضاً مرفوض، في وقت لا تمانع بعض القوى
السياسية اللبنانية التفاوض سواء كان مباشراً أو غير مباشر على اعتبار أنّ المنطقة
دخلت في حالة تفاوض مع كيان الاحتلال برعاية أمريكية بهدف رسم معالم هذه المنطقة
وإرساء الاستقرار أو ما يُسمّى "السلام" فيها.
وحتى
لا يكون الموقف من مسألة التفاوض والمفاوضات بين أيّ طرفين، وهنا الحديث عن لبنان
من ناحية وكيان الاحتلال الإسرائيلي من ناحية ثانية، لا بدّ من البحث عن المصلحة
في هذا التفاوض للبنان حتى لا يكون الموقف من المبدأ.
لبنان
وقّع في 27 نوفمبر / تشرين الثاني 2024 اتفاقاً لوقف الحرب أو إطلاق النار مع كيان
الاحتلال برعاية أمريكية فرنسية بشكل أساسي، ومن أجل تطبيق وتنفيذ القرار الدولي
1701، غير أنّ قوات الاحتلال لم تلتزم بهذا الاتفاق، فلم توقف الاعتداءات اليومية
على لبنان، ولم تنسحب من كلّ الأراضي التي احتلتها في الحرب الأخيرة، ولم تطلق
الأسرى الذين وقعوا بيدها خلال المواجهات، ولم تتوقف عن انتهاك السيادة اللبنانية
من خلال الطلعات الجوية التي لا تغيب فيها المسيّرات عن سماء لبنان؛ في حين التزم
لبنان بالاتفاق وعمل على تنفيذ البنود التي تعنيه، ولم ينتهك الاتفاق لناحية توجيه
أيّة ضربة لكيان الاحتلال أو لمواقعه ومستوطناته في الأراضي الفلسطينية المحتلة،
والشاهد على كلّ ذلك هي اللجنة المكلّفة الإشراف على تنفيذ الاتفاق، فماذا تعني
الدعوة لإجراء مفاوضات في ظلّ كلّ هذه الأوضاع؟ سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة؟!
إنّ
دخول لبنان في ظلّ هذه الأوضاع في مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع قوات الاحتلال
يعني تخلّيه عن اتفاق وقف النار وإنهاء الحرب، والإقرار بالأمر الواقع الذي كرّسته
قوات الاحتلال من خلال اعتداءاتها اليومية، والتعامل أو التفاوض على هذا الواقع
والخضوع له؛ بمعنى آخر، فإنّ لبنان يكون قد خسر مطالبته بانسحاب قوات الاحتلال من
المواقع التي ما تزال تحتلها في الجنوب، وخسر المطالبة بإطلاق سراح الأسرى، وخسر
المطالبة بوقف الانتهاكات والاعتداءات على سيادة لبنان وأراضيه ومواطنيه، والشروع
في تفاوض تحت ضغط هذه العناوين والملفات في حين أنّها تحصيل حاصل في اتفاق وقف
النار وإنهاء الحرب، ولذلك فإنّ قبول التفاوض في ظلّ هذه الحالة، وبغض النظر إذا
كان مباشراً أو غير مباشر، يعني تكريس الأمر الواقع القائم حالياً لصالح كيان
الاحتلال.
كما
وأنّ التفاوض في ظلّ هذه الأوضاع سيقود إلى التفاوض من أجل تطبيع العلاقة بين
لبنان وكيان الاحتلال الإسرائيلي، وهو أمر مرفوض جملة وتفصيلاً من معظم اللبنانيي،
خاصة وأنّ الدول العربية الشقيقة تتجه نحو وقف مسار التطبيع مع الاحتلال في ظلّ
مواقف الأخير من مسألة توسيع "إسرائيل" لتتحوّل إلى "إسرائيل
كبرى" على حساب الدولة الفلسطينية وعلى حساب الأمن القومي العربي.
المطلوب
أولاً وقبل التفاوض المباشر أو غير المباشر إلتزام كيان الاحتلال الإسرائيلي
باتفاق وقف النار، ووقف الاعتداءات والانتهاكات اليومية للسيادة والأراضي والأجواء
اللبنانية، وإطلاق سراح الأسرى، والانسحاب من الأراضي والنقاط التي ما يزال محتلة،
وبعدها لكلّ حادث حديث.
د. وائل نجم