جهاد عويص

يتزايد الحديث عن حلول «إنسانية» لأزمات قطاع غزة، بعيداً عن الحل السياسي، المفترض أن يكون تعثره السبب الرئيس في الأزمات والانهيار الذي يعيشه مليونا فلسطيني في القطاع الساحلي المحاصر منذ أحد عشر عاماً، ما يطرح كثيراً من علامات الاستفهام والتساؤلات والمخاوف.
ومنذ نيسان الماضي، تتدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية في غزة، حتى وصلت حدّ الكارثة، مع تشديد قبضة الحصار الإسرائيلي الخانقة على القطاع، وبقاء معبر رفح مع مصر مقفلاً معظم أيام السنة، واتباع السلطة الفلسطينية سياسة فرض الإجراءات «العقابية» ضد غزة، التي أنهكت الغزّيين، معيشياً واقتصادياً وخدماتياً. وأخيراً، نظمت الإدارة الأميركية مؤتمراً في وزارة الخارجية قالت إنه لحل الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، شاركت فيه 19 دولة عربية وأجنبية، بينها الاحتلال الإسرائيلي، ودار الحديث فيه عن ضرورة تنفيذ مشاريع جديدة لإنعاش القطاع وتخفيف الأزمات الاقتصادية عنه، بما فيها الكهرباء والمياه، في ظل إصرار على تجاهل أصل المشكلة الإنسانية، أي الحصار الإسرائيلي والمصري والتضييق الفلسطيني من قبل السلطة في رام الله.
هذا المؤتمر، الذي رفضت السلطة الفلسطينية المشاركة فيه وعدّته «تجاوزاً وتلاعباً وتصفية للقضية»، يؤكد أن الدول التي تبحث عن حل جذري لأزمات قطاع غزة، قد تتعاطى مع الأزمة بشكل إنساني، غير أنّ خبراء يعتبرون أن الأموال، التي دفعت إلى غزة على مدار السنوات الماضية، زادت من الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي، ولم تحل المشاكل الحقيقية التي يعيشها السكان. وعقب المؤتمر، كشفت مصادر موثوقة عن إنشاء الإدارة الأميركية ومصر وإسرائيل لجنة مشتركة للقيام بمهام «إنسانية وإغاثية» في قطاع غزة، تتجاوز السلطة الفلسطينية، وتنسق ميدانياً مع مؤسسات أميركية ذات علاقة مع مؤسسات أهلية في القطاع. ومع بداية العام الجديد، اشتدت الأوضاع المأساوية في غزة، وراح القطاع يسير نحو انهيار كامل، حذرت منه مؤسسات المجتمع الدولي ومراكز حقوقية. حتى إن الأمم المتحدة قالت في وقت سابق، إن استمرار الأوضاع الراهنة في غزة، سيجعل القطاع مكاناً غير صالح للعيش بحلول عام 2020. لكن التعامل مع غزة كملف إنساني «خطير جداً»، إذ يُثبت محاولات فرض حلول سياسية عليه، مع تزايد الحديث عن فرص إقامة «دولة غزة الكبرى» بدلاً من الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، ومعها يتمدد القطاع إلى سيناء المصرية.
ويؤكد مدير شبكة المنظمات الأهلية في غزة، أمجد الشوا، أن الأوضاع في القطاع على كل المستويات، الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، تعيش تدهوراً كبيراً، وأزمة غير مسبوقة، مشدداً على أن «الأسباب الرئيسية لهذه التداعيات الخطيرة ليست إنسانية أو بفعل الطبيعة، بل هي بسبب الاحتلال الإسرائيلي وممارساته.  ويضيف الشوا، أن «حل إشكاليات قطاع غزة يأتي في إطار إنهاء الاحتلال الإسرائيلي ورفع الحصار بشكل كامل، وتمكين الشعب الفلسطيني من الحصول على حقوقه. وبالتالي فإن الحلول الإنسانية لا تكفي ولا تحل إشكاليات القطاع». ويلفت إلى أنه إذا ما أريد تخفيف وطأة الأوضاع وتعزيز صمود المواطن الفلسطيني في غزة، فإنه لا بد من إنهاء الانقسام السياسي، وتوفير خطة حقيقية لإنعاش الأوضاع في القطاع، بعدما وصل إلى مستويات غير مسبوقة من الانهيار. ويقول إنّ التجربة على الأرض أثبتت أنّ هناك أموالاً كثيرة دفعت في إطار الدعم الإنساني لقطاع غزة، لكن هذا التمويل، في ظل استمرار الحصار واعتداءات الاحتلال الإسرائيلي والانقسام الفلسطيني، جاء بنتائج عكسية، إذ زادت نسب الفقر  والبطالة وانعدام الأمن الغذائي.
ويشير مدير شبكة المنظمات الأهلية إلى مؤتمر المانحين لإعادة إعمار قطاع غزة، الذي عقد في القاهرة في تشرين الأول 2014، بعد العدوان الإسرائيلي الأخير، الذي تعهد المجتمع الدولي خلاله بدفع أكثر من خمسة مليارات دولار، لكن ما وصل هو 37 في المائة من هذه الأموال حتى اللحظة. ويشدد الشوا على أن الحلول لقطاع غزة لا تأتي في إطار إنساني، مؤكداً ضرورة «إيجاد حل سياسي يتجاوب مع قرارات الشرعية الدولية ومع حقوق الشعب الفلسطيني، من دون الاجتزاء منها، وأن ما تطرحه الإدارة الأميركية الآن هو إنقاص حقوق الفلسطينيين على حساب حلحلة الوضع الإنساني في غزة». والحل الأساسي لما يعيشه قطاع غزة من أوضاع مأساوية غير مسبوقة، هو «سياسي بإنهاء الاحتلال ورفع الحصار بشكل كامل، وإنهاء الانقسام السياسي وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، فضلاً عن قيام المجتمع الدولي بدفع المستحقات والتعهدات التي أقرها خلال مؤتمر إعادة الإعمار 2014، وخطة دولية لإنعاش الأوضاع في إطار حقوقي وليس إنسانياً»، وفق الشوا.
وبحسب خبراء، ووفقًا لتقرير البنك الدولي، فإن «قرب انهيار الأوضاع الاقتصادية بشكل كامل في غزة، يؤكد أن الحل الأمثل لما يجري هو سياسي، وأن ما يقدم من مشاريع ذات تأثير محدود وبسيط لا تحل الإشكاليات التي يعاني منها أكثر من مليوني مواطن في القطاع». ووصل القطاع إلى مرحلة غير مسبوقة من انهيار الأوضاع، ارتفعت خلالها نسبة البطالة إلى 46.6 في المائة، وتجاوزت نسبتها في أوساط الشباب 60 في المائة، و85 في المائة في صفوف النساء.}