العدد 1353 / 13-3-2019

استطاع الرئيس السابق للحكومة، فؤاد السنيورة، أن يطوي صفحة الخلاف بين رئيس تيار المستقبل الرئيس ، سعد الحريري، وبين الوزير السابق، أشرف ريفي. لقد عمل السنيورة، كعادته، بصمت لردم الهوّة التي نشأت بين الجانبين خلال الأعوام الماضية على خلفيات متعددة، واتخذت في بعض الأحيان صور معارك انتخابية وهجمات إعلامية كما حصل في انتخابات طرابلس البلدية والنيابية. وفاجاً الرئيس السنيورة الوسط السياسي والإعلامي في البلد بجمعه الرجلين في منزله في بيروت بحضور الوزير السابق رشيد درباس، وأعلن بعد اللقاء أن صفحة الماضي قد طويت، وأن صفحة جديدة فتحت بين الرجلين للتعاون والتفاهم والنهوض بخط الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وأن ريفي لن يترشّح في الانتخابات النيابية الفرعية في مدينة طرابلس لملء المقعد السنّي الشاغر بقرار من المجلس الدستوري، وأنه سيقف إلى جانب مرشح تيار المستقبل، النائبة التي أبطلت نيابتها، ديما جمالي. وهذا المعنى أكده كل من الرئيس الحريري والوزير ريفي أيضا، وعزا كل منهما الأمر والسبب إلى الظروف التي يعيشها لبنان، والهجمة التي تستهدف القوى التي تريد النهوض به، ولا تريد لأي طرف أن يحتكر القرار السيادي وحقوق المكوّنات الأخرى فيه. والمهم في كل ما جرى أن صفحة مرحلة السنوات الماضية طويت، وأن صفحة جديدة بدأت بين الرجلين فضلاً عن بقية مكوّنات الساحة اللبنانية.

وفي معرض الحديث عن المصالحة بين الحريري وريفي، وفي ضوء التأكيد على أن ريفي لن يترشّح للمقعد السنّي في طرابلس، وفي ضوء اللقاءات التي عقدها الرئيس الحريري، بل ربما الاتفاقات التي نسجها مع بقية الفاعلين في المدينة، هل يمكن اعتبار نتائج الانتخابات النيابية في طرابلس للمقعد الشاغر قد حسمت باكراً؟

من الجدير التذكير بأن مكوّنات الساحة الاسلامية في لبنان بمعظمها تشعر أنها مستهدفة، وأن هناك مشروعاً يريد أن يضعفها، ويضعف دورها في البلد وصولاً إلى حدود تصفيته، أو على أقل تقدير جعله غير فاعل في المرحلة المقبلة. وترى هذه المكوّنات في هذه الساحة أن هذا المشروع بدأ يتمظهر بشكل أكثر وضوحاً منذ عدة سنوات من خلال محاولات إضعاف موقع رئاسة الحكومة، والتجاوزات المتعمدة في أكثر من مرة على صلاحيات هذا الرئاسة، ومن خلال إعاقة قيام هذا الموقع بدوره بشكل فاعل، وهذا ما ظهر بشكل جلي خلال تشكيل الحكومة الأخيرة، ومن قبل في مسألة إقرار قانون الانتخاب، وفي غيرها من الأمور. كما برز ذلك من خلال عمليات التزوير التي حصلت في العديد من المناطق خلال الانتخابات النيابية، ومن ثم التركيز على تجاوز واحد أو خرق واحد فقط في طرابلس، وبعد ذلك في فتح مكافحة الفساد والتركيز على فترة واحدة، وعلى جهة واحدة على صلة برئاسة الحكومة، هذا كله فضلاً عن مسألة القرار السيادي الذي تعتبره مرتهناً لإرادة السلاح غير الشرعي، وما سوى ذلك من أمور كثيرة.

إن هذه الشعور الذي نما في وسط الساحة الاسلامية بمختلف مكوّناتها دفع إلى إعادة النظر بضرورة التركيز على الشؤون الداخلية لهذه الساحة بهدف حل ما يتصل بها من أزمات، وبهدف تمتينها وتفعيلها وإعطاء دور لكل مكوّن فيها، خاصة وأن الظهير الإقليمي الذي كان يساند ويدعم هذه الساحة أسوة بالظهير الإقيليمي لبقية المكوّنات الأخرى قد بات بحكم غير الموجود، وبالتالي فإن ذلك يحتّم عليها التفاهم والتماسك لمواجهة التحدّيات التي تحدق بالدور والوجود في هذه المرحلة، ومن هنا جاء طي الصفحات وفتح صفحات جديدة.

اليوم بعد المصالحة بين الرئيس الحريري والوزير ريفي، وبعد التفاهم بل التحالف بين الرئيس الحريري والرئيس ميقاتي، وأيضاً الوزير الصفدي في طرابلس، وبعد التوجه أيضاً إلى التفاهم وربما التحالف بين الحريري والجماعة الإسلامية في ضوء اللقاءات الأخيرة التي حصلت بين الجانبين، يبدو أن معركة طرابلس الانتخابية قد حسمت لصالح مرشح تيار المستقبل، وبغض النظر عن اسم هذا المرشح، إذ أن المعركة في هذه المرحلة تحديداً هي معركة سياسية وليست معركة زعامات، وبالتالي فإن التفاهمات والتحالفات بين قوى سياسية وليس بين مرشحين، ولذلك تبدو هذه المعركة مسحومة النتائج سلفاً.

المهم في كل ذلك أن الذي يجري اليوم في هذا الاستحقاق النيابي بطرابلس يجب أن يؤسس لعلاقة أوثق وأوطد بين أركان وأطرف الساحة الاسلامية في لبنان، وعلى قاعدة حفظ الدور والوجود، وتوزيع الأدوار للحفاظ على التوازن الذي يمنع البلد من الانهيار.

د. وائل نجم